خلال القرنين الرابع والخامس الهجريين، ظهر نشاط قبيلة طي، وسطوتها في بعض نواحي الشام، وأسست لها كياناً مستقلاً عن القبائل الأخرى، فتملكت مدينة الرملة، إقطاعاً من الخليفة الفاطمي، في الوقت الذي استفحل فيه أمر القبائل العربية، فنجح بعضها في إقامة حكم سياسي، على حين بقي القسم...
خلال القرنين الرابع والخامس الهجريين، ظهر نشاط قبيلة طي، وسطوتها في بعض نواحي الشام، وأسست لها كياناً مستقلاً عن القبائل الأخرى، فتملكت مدينة الرملة، إقطاعاً من الخليفة الفاطمي، في الوقت الذي استفحل فيه أمر القبائل العربية، فنجح بعضها في إقامة حكم سياسي، على حين بقي القسم الآخر يشكل خطراً على الحكم المركزي للخلافيتين العباسية والفاطمية، وعلى عدد من الإمارات والدويلات التي شهدتها المنطقة المترامية الأطراف الممتدة من الشام فالجزيرة الفراتية وبعض جهات العراق، فقد سيطر الحمدانيون على حلب وتوابعها، والعقيليون في الموصل وغربي الفرات، وبنومرداس الكلابيين في حلب. وقبيلة طي هذه وردت العراق قبل الفتح الإسلامي، واستقرت في الحيرة وكانت إمارتها في بني هناء ومنهم إياس بن قبيصة أمير العرب في العراق، ولاه كسرى أبرويز، بعد أن قتل النعمان بن المنذر، فكانت الرئاسة له ولأعقابه إلى ظهور الإسلام. ثم تتابعت بطون طي إبان الفتح الإسلامي، صوب العراق، وسكنت الكوفة وعين التمر والجزيرة والشام، وظهرت سطوتهم في القرن الثاني الهجري. وما إن رأت الدولة الفاطمية في مصر، قوة طي ونفوذها ومكانتها إلى واستمالتها إلى جانبها ضد الحمدانيين وبقية القبائل الأخرى، فاستعد ابن الجراح للقاء أبي تغلب بن حمدان، فجمع العرب حوله، والتقى الطرفان في باب الرملة بموقعة انتهت باندحار بني حمدان ومقتل أميرهم. وبعد ذلك استفحل أمر المفرج الطائي في الشام فسير الخليفة الحاكم بأمر الله سنة 404هـ جيشاً لقتاله. وبعد آل الجراح آلت إمارة طي إلى أحد أحفادهم وهو (ربيعة بن حازم) ثم إلى أبنائه الذين اشتهر منهم فضل ومرا، وتفرعت منهم بطون وفروع باسم (آل فضل) و(آل مرا) و(آل عيسى) وغيرهم، فتملكوا مدينة سليمة ثم الرحبة وعانه والحديثة وكبيسة والحلة والبصرة، وأخيراً استقرت إمارتهم في المنطقة الفاصلة بين العراق والشام-شمال عانه- وأصبح لها كيانها المستقل عن الدولتين المملوكية والمغولية، ثم اعترفت الدولة العثمانية بها كـ(سنجق بكي) وخصصوا لأميرها راتباً سنوياً وإقطاعاً واعتبروا منطقة نفوذها لواء باسم (لواء بني ربيعة) تابعاً لأيالة الرقة. إلى أن إمارة (آل ربيعة الطائيون) لم تحظ بما تستحقه من عناية الباحثين، على الرغم من مكانتها الاجتماعية والسياسية، وعلاقاتها مع الحاكمين من مماليك ومغول وعثمانيين، وهيمنتها على طرق التجارة بين الشام والعراق، وسيطرتها على سقي الفرات الأعلى مدة طويلة من الزمن. ولافتقار المكتبة العربية إلى كتاب شامل يجمع وقائعها وأخبارها وحوادثها جاء هذا الكتاب الذي يحوي بين طياته دراسة نظرية تأريخية تؤرخ لإمارة طي والطائيون ولقيام الدولة المملوكية في الشام والدولة المغولية في العراق، وتبين المنازعات التي جريت بين الطائيين وبين العشائر المجاورة لهم وأهمها زبيد، الموالي، شمّر...