في رؤية استنطاقية لمشهد الحزن الإنساني السادر في تماوجه وألمه.. تبحر الكاتبة نورة الغانم في وصف هذه الرحلة المعبرة لطفلة لم تعِ معنى العناء إلا من خلال هذه اللقطات التي تختزنها الذاكرة عن رحلة حياة شاقة تظهر فيها معاناة الطفل حينما يفقد معيله في الحياة، أي والده ووالدته،...
في رؤية استنطاقية لمشهد الحزن الإنساني السادر في تماوجه وألمه.. تبحر الكاتبة نورة الغانم في وصف هذه الرحلة المعبرة لطفلة لم تعِ معنى العناء إلا من خلال هذه اللقطات التي تختزنها الذاكرة عن رحلة حياة شاقة تظهر فيها معاناة الطفل حينما يفقد معيله في الحياة، أي والده ووالدته، لأي ظرف من الظروف التي لا يكون له عادة أي دور فيها. فالحكاية تبدأ عند مشكلة الطلاق الذي يقع بين والد (يسرى) ووالدتها، مما يمهد لقيام قضية شائكة تكون الطفولة والبراءة هي الضحية الأولى في هذه الأحداث. تستند لغة السرد في الرواية على الطاقة الاسترجاعية لدى المرأة (يسرى).. تلك التي تجد أن الزمن لا يمكن له أن يوصف بأي فأل طالما أنه خدش الطفولة وأخل بسياقات البراءة، حتى أنها لا تستطيع أن تستطرد في التمثل إلا في حدود ما تأذن به الذاكرة المشوشة من هول الأحداث المؤلمة. فرغم أن أحداث رواية (دمعة على خد الزمن) تأتي على هيئة تخيل أو تمثل، إلا أنها تتمتع بسياق عام لا يستطيع أن يكون للذاكرة الصغيرة دور به.. لأن الكاتبة عمدت في وصفها للأحداث والوقائع على لغة التدوين اليومي الذي يأتي تباعاً كأن تصف اليوم الأخير لها في المدرسة الخاصة، وكيف تذهب إلى بيت جدها، وكأنه تقرير مألوف من سيدة توكل لها مهمة البحث والتمحيص في أمر هذه المعضلة الإنسانية التي وقعت فيها الطفلة (يسرى)، بل نرى اللغة وقد أصبحت مزيجاً من التأمل والاسترجاع المنطقي لكافة التفاصيل الصغيرة والدقيقة. الفضاء العام للرواية يأخذ من الحزن نبرته الأولى.. تلك التي تتجسد بهموم الطفولة ومعاناتها، فيما تحتشد الأفعال والصور المترتبة على هذه القضية الأسرية التي ترى لها مشابهاً في الواقع من حولنا، إلا أن الكاتبة (نورة) تبرع في إخراجها من الهم الخاص والمعاناة الذاتية إلى ما قد نشترك به جميعاً من هموم أسرية دائمة. تذهب الكاتبة إلى أعمق من ذلك حينما تصف الألم الأسري، والمتمثل في ارتباط والدها بزوجة أخرى غير والدتها، ليصبح المشروع أكثر ألماً، وحسرة على طفلة ترقب الأشياء بهلع بالغ، فلا أقسى من أبٍ يتعدد من أجل أن يشبع غرائزه، ويثري وجوده الذاتي حتى وإن كان على حساب مشاعر من حوله من أبناء أو بنات، وزوجة ظلت وفية له، ومحاولة إرضاءه، إلا أن هذا التعدد هو الجرح الأليم.. ذلك الذي لا يستطيع الحكايات والوصايا والوعود أن تداوي أسقامه الأليمة. فالقصة تنبني على هذا النوع القاتم من المستقبل الذي ينتظر عائلة (يسرى) وكل عائلة يفكر معيلها بأنه فحلٌ لا يشق له غبار. قضية الرواية وأبعادها لا تخرج عن رسم هذا الفضاء القاتم لنهايات محتملة لمثل هذه العلاقات التي تنشأ بين أفراد الأسرة الواحدة لحظة أن يدب الشيطان بينها، وتصبح الوساوس هي الهواء الذي يتنفسه الشخوص كل حسب قدراته، ومدى تقبله لإرهاصات هذه القضية. تخلص الكاتبة نورة الغانم إلى عرض ما قد يترتب من أذى، وألم في مثل هذه المواقف، حيث تحمل (يسرى).. وهي بطلة العمل دون منازع.. العديد من عناصر الرفض باعتبارها تتمتع بوعي كامل يؤهلها أن تقول كلمتها حتى وإن سايرت من حولها من مجتمع ربما يأتي على رأسه والدها الذي وضعها في مأزق الزواج على نحو مؤذٍ. فالوعي لا يجدي نفعاً في مثل هذه المواقف غير المتكافئة، حيث يظل الإنسان هو المحرك القوي لفاعلية هذه الأحداث التي تدور مفاصلها على نحو ما تورده تفاصيل هذه الحكاية التي برعت فيها الكاتبة لتخرجها من حيز الألم الخاص بها لامرأة تعاني ضغوط الحياة إلى قضية يشترك فيها الجميع، لاسيما حينما يكون النقد واقعاً معاشاً ويمكن لنا جميعاً أن نتمثله، ونسجل مواقفنا منه ومن تداعياته. الرواية تحمل نموذج (يسرى).. تلك المرأة العامرة بالحزن، والوعي الحاد.. فالحزن هو نتاج طبيعي لمآل الحياة في هذه الأسرة - النموذج - إلى هذا التمزق والقسوة في وقت يظهر فيه الوعي من قبل (الراوي) الذي يتمثل في شخصية (يسرى) حيث تبرع في رسم تفاصيل هذا العناء الإنساني الذي يمتد على مدى أجيال مختلفة من الجد إلى الابن وإلى الأحفاد حيث تكثر الندوب، ويغوص القلب في حزن حارق حينما تكون الطفولة هي الضحية المرشحة لمثل هذه الآلام والمنغصات. لغة الرواية شيقة وأحداثها تعتمد على الاسترجاع "عبد الحفيظ الشمري".