لدراسة السيرة النبوية أهمية عظيمة في مسيرة الحياة البشرية، فإذا كان العظماء والقادة يحرصون دائماً على كتابة مذكراتهم وسيرهم الذاتية حتى يلتمس الناس في تلك السيرة مواطن الإقتداء والإستفادة؛ إذا كان الأمر كذلك فإن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي أولى السير بالدراسة.إذ...
لدراسة السيرة النبوية أهمية عظيمة في مسيرة الحياة البشرية، فإذا كان العظماء والقادة يحرصون دائماً على كتابة مذكراتهم وسيرهم الذاتية حتى يلتمس الناس في تلك السيرة مواطن الإقتداء والإستفادة؛ إذا كان الأمر كذلك فإن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي أولى السير بالدراسة.
إذ أن السيرة النبوية تمثل تفاصيل التطبيقات العملية للتعليمات الإلهية فيما يتعلق بالشعائر متمثلة في الصلاة والصيام والزكاة، وفيما يتعلق بالأحكام مثل البيع والشراء والمعاملات، ومنها ما يتعلق بالإرث، وبالحرام والحلال، فسيرته صلى الله عليه وسلم هي السبيل العملية المشهودة والمطبقة لتعاليم الدين الإسلامي.
لذا كان على كل مسلم الإلمام بسيرته صلى الله عليه وسلم كي يستطيع فهم تعاليم دينه ويتعلم منها السبل والوسائل التي تقربه إلى الله تعالى وبالتالي إلى الجنة وهذا أعظم ما يتمناه كل إنسان، وإلى هذا فالدين جزآن: جزء يتعلق بعبادة الخالق، وجزء يرشد لطريق التفاعل والتعامل البشري، وما أحوج الناس اليوم وفي كل زمان إلى قدوة يقلدونها، فكان لا بد من تدوين طريقة تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الناس على إختلاف أجناسهم ودياناتهم وأشكالهم وألوانهم وقومياتهم كي يتبع المسلم الرسول آملاً الوصول بذلك إلى برّ الأمان.
وأن الأبعد من ذلك والأهم أن الله سبحانه وتعالى أكد في القرآن الكريم على أهمية إتباع النبي صلى الله وعليه وسلم وطاعته، واعتبر ذلك شرطاً أساسياً للإيمان بالله عزّ وجلّ نفسه فلا يمكن أن يكون أي إنسان مؤمناً بدين الإسلام إللا إذا اتبع الرسول فيما يفعل ويأمر وينصح.
ومن هنا، ظهرت أهمية ما سمي بالسيرة النبوية؛ فكان لا بد من معرفة سيرته صلى الله عليه وسلم من أجل مصلحة المسلمين الخاصة والعامة، هذا ويمثل القرآن الكريم المرجع الأول والأهم في الإستدلال على صحة سيرته صلى الله عليه وسلم وإن كل ما نقل عن أي مخلوق، وكان نقله مخالفاً لكلام الله تعالى وشرعه ونصوصه هو باطل، وكل ما نقل وكان متناسباً مع هذه كلها فهو مقبول.
وقد بدأ المسلمون في تدوين أحاديث وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لمعرفتهم بأهميتها منذ الأيام الأولى للبعثة النبوية الشريفة وذلك بكتابة الأحاديث المتعلقة بالحوادث التي وقعت في زمنه بدءاً بنزول الوحي عليه ومالقيه بمكة قبل الهجرة ثم هجرة أصحابه إلى الحبشة الهجرة الأولى والثانية، ومن ثم الهجرة الأهم إلى يثرب، وغزواته وأسفاره، وأزواجه وإلى ذلك من أمور تتعلق بشخصه وسلوكه في حياته كلها؛ إلا أن رسول صلى الله عليه وسلم لما علم بعملية التدوين هذه خاف أن تختلط تلك الكتابات بنصوص القرآن الكريم مما يعني إختلاطها بالنص القرآني وبيان كيفية التطبيق على المؤمنين؛ فالأول نص من الله تعالى، والرسول أمين على إيصاله للمؤمنين كما أوحي إليه.
وأما الثاني فهو أحاديث نبوية بأسلوب أدبي فصيح توضح النص القرآني وتشرحه، وشتان بينهما؛ وقد بدأت أول الإجتهادات في جمع وكتابة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أيام الخليفة معاوية بن أبي سفيان، حيث كان عبد الله بن عباس رضي الله عنه (ابن عم رسول الله) المتوفي سنة (68هـ) يدرس تلاميذه نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه.
وكان بعض مستمعيه يدوّنون ذلك، وكذلك فعل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم المتوفي سنة (63هـ) وغيرهما من الصحابة الكرام، وفي أيام حكم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وكان وقتها بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة وكثير من التابعين ممن شهر وسمع وتقص أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم من أنواه الصحابة ومرافقيه بدأ التأليف في السيرة.
وقد تم توثيق ما تم تأليف من كتب في السيرة بما تضمن من أقوال وتصرفات وأفعال ومغازي ونصائح وأوامر ونواهي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاديثه لأهله وأصحابه وما كان يدور بينه وبين أكثر من تكلم إليه أو خاطبه وبشهادة الشهود الذين لم يتوان كتّاب المغازي في ذكر أسمائهم كاملة وتقصي مكانتهم وأهوائهم وسيرتهم للتأكد من سلامة الناقل للخبر حتى صار هناك كمٌّ وافر من المعلومات القطعية وبشهادة الشهود عن أدق تفاصيل حياة رسول الله صلى اللهعليه وسلم وجميع صفاته الخَلْقية والخُلُقَيّة والسلوكية؛ إلا أن بعض كتب السيرة حوت بعض الأحاديث والقصص الملفقة.
من هنا، تأتي أهمية هذا الكتاب الذي سعى المؤلف من خلالها إلى إيصال السيرة النبوية موثقة بأسانيدها المتصلة إلى مصادرها الأصلية المتضافرة وفيما يدعمه القرآن الكريم فيما جاء في سيرته صلى الله عليه وسلم لتبرئة حبيب الله ورسوله مما ينسب له زوراً وبهتاناً، والرد على كل من تهجم عليه بالحجج الدامغة الموثقة، خالصاً مخلصاً لوجه تعالى.