يعدّ هذا المؤلّف "كتاب الخبر عن البشر" مخطوطاً نادر الوجود، قلّ من عرف عنه أي شيء، يتحدث فيه المؤلف شيخ المؤرخين تقي الدين المقريزي عن القبائل وأنساب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث وجد جزء منه في إحدى المكتبات التركية، والجزء الأخر في تونس، وبقية الأجزاء في إيران رقم - مكتبة...
يعدّ هذا المؤلّف "كتاب الخبر عن البشر" مخطوطاً نادر الوجود، قلّ من عرف عنه أي شيء، يتحدث فيه المؤلف شيخ المؤرخين تقي الدين المقريزي عن القبائل وأنساب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث وجد جزء منه في إحدى المكتبات التركية، والجزء الأخر في تونس، وبقية الأجزاء في إيران رقم - مكتبة المرعشي، وكان الحصول عليه كالحصول على درّة ثمينة، سيما وإن كل الذين تصدوا لتحقيق كتب المقريزي لم يشيروا إلى هذا المخطوط، ولم يطلع عليه أحد قبل محققة في هذه الطبعة الدكتور خالد الملا، وقد كان بروكلمان قد أشار إليه في تاريخ الأدب العربي إشارة موجزة أيضاً، وكذلك صاحب كشف الظنون، حيث ذكر أنه كتاب كبير في أربع مجلدات ذكر فيه القبائل وأنساب النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل مقدمة في مجلد كبير. وقد قام المحققات الدكتور خالد السويدي، والأستاذ عارف عبد الغني يتصفح مجلدات الكتاب، وكان نسخة وحيدة، وربما كانت مسودة المؤلف، حيث أن الكتاب لم ينهه المؤلف كعادة المؤلفين بتذييل الكتاب بتاريخ الإنتهاء من التأليف، وبإسم المؤلف، والكتاب، إلى هذا، هو جهد هائل بذل فيه شيخ المؤرخين المقريزي غاية جهده في تتبع أنساب العرب، وأطلع على الكثير الكثير من الكتب التي سبقته. كما أن هناك بعض الكتب الكثير هي التي هي مفقودة الآن كان المقريزي قد عمل إلى النقل منها في حينه حيث كانت موجودة، مثل كتب أسعد الجواني وغيره، وكان المقريزي يسوق الروايات كلها، ثم يحكم، بعد ذلك، على صحتها، وعلى سبيل المثال، فإن تناوله لشخصية بلقيس ملكة اليمن، كان فيه شيء من الإسهاب، والتفصيل، ويغلب الظن أنه كان أول من ذكر أن إسم بلقيس الحقيقي هو يلحقه، وهو ما يتوافق مع الكتابات الاثرية التي اكُتِشفَتْ في اليمن بالخط الحميري أو المسند. بالإضافة إلى ذلك، يسوق المقريزي نادرة أن بلقيس ملكة سبأ، تلك الملكة التي عثر على جثتها في تدمر، وهذا يتوافق مع موروث العرب الشعري الذي ذكره النابغة الذبياني في شعره إشارة إلى النبي سليمان: "إلاّ سليمان إذ قال الإله لهُ... قُم في البرية فَاحدُدها عن الفَنَدِ... وَخيِّسِ الجِنَّ إنّي أمرتهم... يبنون تدمُرَ بالصُفّاحِ والعَمَدِ...". والمؤرخ المقريزي هو تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي، مؤرخ مصري اشتهر بإسم المقريزي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة حيث كان أجداده من هناك، وقد تخصص في دراسة الفقه والحديث وعلوم الدين، كما برع في الأدب وأجاد في النثر والشعر، وعين أكثر من مرة في وظائف الوعظ وقراءة الحديث والخطابة بجامع عمرو بن العاص والسلطان حسن ومدرسة المؤيد... وتقلد وظائف إدارية أخرى في القاهرة ودمشق، وعندما بلغ الخمسين من عمره، تفرغ لكتابة زاهداً في الوظائف العامة. هذا وتكمن أهمية المقريزي التاريخية في إرتياده أنواع جديدة لم تكن مألوفة في أسلافه في البحث التاريخي، فقد وجه إهتمامه شطر التاريخ الإجتماعي للشعب المصري وعادات الناس اليومية وتقاليدهم، كما قدم القاهرة القديمة وخططها وأحيائها وتطورها الجغرافي وما حوت من مساجد وبيوت وأسواق ومدارس، قدم ذلك كله ضمن صور حية نابضة ممتعة، حتى وكأن عباراته قد استحالت شريطاً سينمائياً فتتابع المشاهد، كما تناول بعض الظواهر الإقتصادية والإجتماعية مستخدماً منهجاً شمولية في معالجتها، ولذا غدت مؤلفاته قبلة للباحثين في آثار مصر الإسلامية وتاريخها وحضارتها. احتل المقريزي مركزاً عالياً بين المؤرخين المصريين في النصف الأول من القرن التاسع الهجري، حيث أن معظم المؤرخين الكبار كانوا من تلاميذه مثل يوسف بن تغري بدوي، وصل عدد مؤلفات المقريزي إلى 34 مؤلفاً؛ وبالعودة، فإن عملية التحقيق جاءت كالتالي: ضبط النص قدر الإمكان، والإشتغال بتخريج الأشعار إلى حدٍّ ما، لأن الكتاب ليس كتاباً أدبياً بل هو كتاب في الأنساب، كذلك لم يتمّ تخريج الاحاديث من مظانها لأن الكتاب، أيضاً، ليس من كتب الحديث، إلا أنه تم تخريج الآيات القرآنية التي جاءت بالرسم القرآني، كما تم وضع صور من الأجزاء الأربعة في المخطوطة في بداية الجزء الأول، وإخراج الكتاب في أجزائه كما أراد المؤلف.