إن دراسة الجوانب المختلفة لتاريخ كوردستان خلال العهد العثماني ومنذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي وحتى انهيار الدولة العثمانية، تكتسب أهمية كبيرة لدى الباحثين في تاريخ كوردستان، وذلك أهمية أحداثها وتطوراتها في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... الخ،...
إن دراسة الجوانب المختلفة لتاريخ كوردستان خلال العهد العثماني ومنذ أوائل القرن السادس عشر الميلادي وحتى انهيار الدولة العثمانية، تكتسب أهمية كبيرة لدى الباحثين في تاريخ كوردستان، وذلك أهمية أحداثها وتطوراتها في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... الخ، وما تركتها تلك الأحداث من آثار ونتائج على كوردستان لا تزال الكثير منها ماثلة للعيان حتى الآن، وهي تعود في جذورها إلى تلك الفترة المهمة من تاريخ كوردستان والتي تحتاج إلى المزيد من الاهتمام والدراسة من قبل الباحثين ورغم ما ظهرت من دراسات في السنوات الأخيرة، فهي لا تزال محدودة مقارنة بعمق وأهمية تاريخ كوردستان، ولعل ذلك يعود إلى الأوضاع التي يعيشها الشعب الكوردي والصعوبات التي تواجه الباحث في دراسة تاريخ كوردستان. تم اختيار عنوان موضوع الرسالة (كوردستان العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر/دراسة تاريخية تحليلية) وذلك لأهمية تلك الفترة بأحداثها الخطيرة التي شملت الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في تاريخ كوردستان من جهة ولعدم وجود دراسة أكاديمية علمية خاصة تغطي جميع أحداث تلك الفترة من جهة ثانية، رغم وجود البعض منها والتي تغطي جوانب محدودة. وبشكل عام اشتملت هذه الدراسة على تمهيد وثلاثة فصول وملاحق، حيث يتناول التمهيد موقع وأهمية كوردستان وأهم التطورات السياسية والأوضاع الأخرى في الفترة السابقة لفترة لموضوع البحث ومنذ أوائل القرن السادس عشر وصولاً إلى بداية القرن التاسع عشر. يتناول الفصل الأول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ففي الجانب الاجتماعي يتناول المبحث الأول الأسرة الكوردية والأوضاع المعيشية التي ميزت ثلاثة فئات في المجتمع الكوردي هم (الرحل، شبه الرحل، المستقرون) ويدرس المبحث صفات الكورد ودور المرأة الكوردية المتميز في مختلف مجالات الحياة بالإضافة إلى اهتمام المجتمع بالموسيقى والغناء والرقص وممارسة الألعاب الشعبية والرياضية، والإشارة إلى روح التسامح التي كانت سائدة في كوردستان رغم التعددية القومية والدينية، وكذلك فقدان الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الخدمات الصحية، ويتناول مواد البناء وأهم المدن، أما المبحث الثاني فهو يتناول الأوضاع الاقتصادية في كوردستان حيث الزراعة وملكية الأرض والصناعة والمعادن والتجارة. أما الفصل الثاني فيبحث في الأوضاع السياسية القائمة في كوردستان حيث يدرس المبحث الأول الحكم والإدارة العثمانية وانعكاساتهما على كوردستان ويبحث في حالة الضعف والانحطاط التي وصلت إليها الدولة العثمانية أوائل القرن التاسع عشر في مختلف المجالات الإدارية والعسكرية والمالية والتربوية والاقتصادية والتي أجبرت السلطات العثمانية على القيام ببعض الإصلاحات وخاصة في عهد السلطان محمود الثاني (1808-1839م) والتي توجها السلطان عبد المجيد (1839-1861م) بإصدار لائحة (خط شريف كلخانة)، وموقف الدول الأوروبية من الإصلاحات العثمانية. أما المبحث الثاني فيدرس أهم الإمارات الكوردية القائمة وأهم التطورات السياسية فيها وأمرائها حتى انهيارها، وخاصة خلال الفترة موضوع البحث. أما المبحث الثالث فيدرس الحملات العسكرية العثمانية على كوردستان باسم الإصلاحات وخاصة حملة (رشيد باشا- حافظ باشا) (1834-1838م) وحملة (عثمان باشا- رشيد باشا) (1847-1849م) ومحاولات فرض السلطة المركزية العثمانية وإنهاء السلطة المشروعة للإمارات الكوردية وينقل البحث صوراً لشهود عيان عن تلك الجرائم. أما الفصل الثالث فيتناول تقسيم كوردستان وظهور نفوذ الدول العظمى الأوروبية في كوردستان، فيدرس المبحث الأول جذور الصراع العثماني-الإيراني على الحدود وما توصلت إليه الدولتان من معاهدات لتكريس تلك الحدود وبالتالي تقسيم كوردستان من خلال معاهدتي أرضروم الأولى سنة 1823م، والثانية سنة 1847م، وخاصة البنود المتعلقة بترسيم الحدود وآثار ذلك الصراع على كوردستان. أما المبحث الثاني فيبحث في ظهور نفوذ الدول العظمى في كوردستان عن طريق الرحالة والمبشرين والدبلوماسيين وخاصة النفوذ البريطاني والروسي والفرنسي، وأهداف ونتائج صراعهم على كوردستان، ويعكس المبحث الثالث الأوضاع في كوردستان منتصف القرن التاسع عشر بعد نصف قرن من الصراع والحروب والحملات العسكرية العثمانية التي توجت بالقضاء على الإمارات الكوردية وعودة الإدارة العثمانية إلى معظم مناطق كوردستان وطبيعة تلك الإدارة وإجراءاتها في كوردستان، ويتضمن البحث عدداً من الملاحق من رسائل وخرائط لزيادة توضيح بعض فقرات البحث.