ديوان ابن خاتمة الأنصاري، الديوان الوحيد من بين دواوين شعراء عصره، وصل إلينا كاملاً كما خطّه بيده، وهو في طبقة عالية من النظم والبراعة، والرغبة في... مجاراة الشعراء الكبار. ولقد قسم الشاعر ديوانه إلى أقسام: الأول في المدح والثناء، والثاني في النسب والغزل، والثالث في الملح...
ديوان ابن خاتمة الأنصاري، الديوان الوحيد من بين دواوين شعراء عصره، وصل إلينا كاملاً كما خطّه بيده، وهو في طبقة عالية من النظم والبراعة، والرغبة في... مجاراة الشعراء الكبار.
ولقد قسم الشاعر ديوانه إلى أقسام: الأول في المدح والثناء، والثاني في النسب والغزل، والثالث في الملح والفكاهات، والرابع في الموشحات والأزجال، والقسم الأخير من الديوان يضم تسعة عشر موشحاً لم يسبق نشرها، ولا تحدث عنها أحد ممن ترجموا لابن خاتمة، ولا أثبتوا نقولاً منها، وهي موشحات فائقة من حيث صياغتها ورقتها وجمالها، وهي تدل على علو كعب ابن خاتمة في فن التوشيح، وبراعته في أنواع المنظوم لذلك العهد من قصيد مطول، ومقطعات ذات أغراض محددة، وموشح يرتكز إلى أبرز خصائص الموشحات بعد مرحلة النضج والاكتمال: لطافة المعاني، ورقة العبارة، والسلاسة، والموسيقية، وعذوبة الكلمة المنتقاة.
والذي يلفت النظر حقاً أن قسم المديح لم يتضمن مدح شخصية ما من شخصيات العصر، لا أمراء الدولة النصرية ولا وزرائها، ولكن الشاعر اشتغل بثناء الله تعالى على نعمائه والاعتراف بفضله، والدعوة إلى طاعته، والتفكر بآلائه وحسن صنيعه في خلق السموات والأرض.
وغزله رقيق المعاني، رشيق العبارة، يدل على قدرة الشاعر وموهبته، وتمكنه من الصنعة. وما في القسمين الثالث والرابع هو أقل محتويات الديوان، ولعل الشاعر وجدهما من طراز خاص من الشعر الذي كان شائعاً، وكانت مناسباته مواتية، فقال في ذلك شعراً، ولكنه حصره في حيز محدود. وأكثر شعره في قسم الملح والفكاهات: مقطعات قصيرة تتناول موضوعات متفرقة، ويشيع فيها تناول عدد من الفنون البديعية التي كانت لها سوق رائجة.
وشعر قسم الوصايا والحكم قريب من حيث الشكل من القسم السابق إلا أن موضوعاته خاصة، ففيها يجلو ابن خاتمة عن وجه العالم، الزاهد، الفقيه، ويميل إلى الاستفادة من الأفكار الإسلامية العامة مما يحث على الطاعات، وحسن المعاملة، ومكارم الأخلاق، وربما نظم مدلولات أمثال شائعة أو عبارات لبعض أعلام الإسلام. وهذا يرتبط بامتناعه عن المديح المألوف في الشعر وعن التوجه إلى أشخاص ذوي مكانة دنيوية بغية العطاء أو النوال.
وما يميز هذه الطبعة من ديوان ابن خاتمة الأنصاري هو أنها جاءت مذيلة بتحققي لطيف هدفه توضيح ما أبهم من ألفاظ الديوان وما أشكل كما وأضاف المحقق أيضاً في خاتمة الديوان رسالة دونها ابن خاتمة الأنصاري التي جاءت تحت عنوان "الفصل العادل بين الرقيب والواشي والعازل" وهي عبارة عن رسالة رد من خلالها ابن خاتمة على رسالة كان استلهمها من الفقهية القاضي أبو البركات محمد بن محمد الحاج البلفيقي.