لقد كانت العربية- منذ وجدت- عزيزة على أهلها، أثيرة لديهم، فكانت موضع عنايتهم ووسيلة تفاخرهم حتى كان من يتفوق فيها عيداً لذويه وأهله، وفخراً لعشيرت... ه وقبيلته، ثم أكرمها الله بالقرآن، أنزله بها، فعزز منزلتها، وأعلى شأنها وزادها في النفوس عزة وتقديساً، وغدت لمن آمن لغة كتاب...
لقد كانت العربية- منذ وجدت- عزيزة على أهلها، أثيرة لديهم، فكانت موضع عنايتهم ووسيلة تفاخرهم حتى كان من يتفوق فيها عيداً لذويه وأهله، وفخراً لعشيرت... ه وقبيلته، ثم أكرمها الله بالقرآن، أنزله بها، فعزز منزلتها، وأعلى شأنها وزادها في النفوس عزة وتقديساً، وغدت لمن آمن لغة كتاب ودين، ولمن لم يؤمن آلة تحد ودليل إعجاز.
وعكف العرب على لغتهم، وبذلوا في خدمتها جهوداً مخلصة ومتواصلة تستحق منا كل إجلال وإكبار، وكان لعلماء السلف في ميدانها أعمال رائعة، ما تزال آثارهم شاهدة عليها وناطقة بما كانوا عليه من صبر وحدب على اللغة ونفاذ بصيرة فيما يتصل بها.
وتاريخ العربية يشهد أن القرن الرابع الهجري كان أحفل عصورها بالنتاج الضخم وأنه كان عصر نضجها واستوائها.. ومن الأصوات المتعددة التي ارتفعت في سماء القرن الرابع أبو الحسن علي بن عيسى الرماني المتوفي 384هـ.
لقد شاع عن الرماني أنه كان صوتاً وحيداً بين أصوات النحاة في القرن الرابع، بل لقد كان في الحق منفرداً من بين نحاة عصره بمنهج مستقل في معالجة البحث النحوي وتحقيق مسائله..
وفي هذا الكتاب استبان المؤلف الصدى وجلى المذهب، وخص الرماني بالدراسة لأنه يمثل علماء عصره تمثيلاً صحيحاً باتساع ثقافته وعمقها، وتعدد جوانبها، فهو إمام من أئمة التفسير واللغة والنحو...
فتحدث في التمهيد على عصر الروماني من الناحيتين السياسية والفكرية، أما من الناحية السياسية فقد رسم صورة لجو العصر وأحوال المعيشة واضطرابها فيه، وتبه على وجود علي بن عيسى الوزير إلى جانب علي بن عيسى النحوي. وأما من الناحية الفكرية فقد تحدث عن علوم ذلك العصر والمدى الذي بلغته في رقيها وازدهارها، وحاول بعد ذلك أن يضع النحو في مكانه بين تلك العلوم.
وتناول في الباب الأول حياة الروماني: نشأته وشيوخه وثقافته وخلقه وتلامذته وآراء العلماء فيه، ثم عدد آثاره التي تجاوزت المئة، ووصفت ما وقع إلي منها. وخصص الباب الثاني من البحث بشرح الروماني على كتاب سيبويه فتحدث عن الكتاب: مادته وأسلوبه، وشخصية صاحبه فيه. ثم تعرضت لعناية العلماء به ومبادرتهم إلى شرحه. وذكر عدداً من شراحه وفصل في الحديث عن شرحين من شروحه، وهما شرح أبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي، وشرح أبي الحسن علي بن عيسى الروماني، فوصف كلا منهما وبين مزاياه وخصائصه.
ولما كان شرح الروماني غير معروف فقد أفرد له فصلاً وصف فيه نسخته المخطوطة وصفاً مفصلان وصنع لها فهرساً كاملاً بين فيه أجزاء الشرح وأبوابه، ثم عرضه في فصل لمنهج الرماني في هذا الشرح وبين أنه منهج فريد بين شروح الكتاب.
وكان الباب الثالث من البحث موضع الحديث عن النحو عند الرماني، وبيان مذهبه فيه. ثم عقدت فصلاً لبيان شخصية الرماني المحوية من خلال مواقفه إزاء آراء سيبويه فأحصى الآراء التي خالف فيها سيبويه، وميز ما تابع فيه غيره مما انفرد بمخالفته فيه. وعرض بعد ذلك لموقف الرماني من المدرستين الخلافيتين البصرية والكوفية، فأتى بطائفة من أشهر المسائل الخلافية بين الفريقين، وعرض آراء كل منهم إلى جانب آراء الرماني فيها، وانتهى من ذلك إلى بيان نزاهته وتحرره من التعصب المذهبي. وذكر أمثلة من (بغداديته) خالف فيها كلاً من البصريين والكوفيين.
وجعل للبحث خاتمة لخص فيها أبرز النتائج التي وصلت إليها في جميع الفصول، كما ألحق بالبحث نماذج محققة من شرح الرماني على كتاب سيبويه، وهي أول نص يحقق من نحو هذا العالم.