ابن طولون الصالحي، مؤلف هذا الكتاب، هو أبو الفضل شمس الدين محمد بن خمارويه بن طولون الصالحي الدمشقي الحنفي، من أعيان العلماء المؤرخين من القرن الع... اشر الهجري. ولد بصالحية دمشق من سفح قاسيون سنة 880هـ/1475م في بيت جده الذي كان يضم والده وهو بيت مستعرب يهتم أهله بالعلم كل...
ابن طولون الصالحي، مؤلف هذا الكتاب، هو أبو الفضل شمس الدين محمد بن خمارويه بن طولون الصالحي الدمشقي الحنفي، من أعيان العلماء المؤرخين من القرن الع... اشر الهجري. ولد بصالحية دمشق من سفح قاسيون سنة 880هـ/1475م في بيت جده الذي كان يضم والده وهو بيت مستعرب يهتم أهله بالعلم كل الاهتمام، ويتكسبون بالتجارة. قرأ ابن طولون علوم عصره من تفسير وفرائض وحديث وقراءات وأصول وعربية وعروض وبلاغة ومنطق وكلام وتصوف وتاريخ وعقائد. كما قرأ علوم الطب والحساب والميقات والهندسة والهيئة وغيرها. عرف ابن طولون بكثرة التأليف، فلقد بلغت مصنفاته أكثر من 750 مؤلفاً منها الرسالة الصغيرة وبعضها المجلدات الكبار. وكانت هذه المصنفات في موضوعات متعددة، في الحديث والفقه والنحو الطب والفلك والمساحة والجبر والمقابلة والحساب... وبما لم يترك مجالاً للكتابة إلا وساهم فيه بقدر ويعد "نقد الطالب لزغل المناصب" من مؤلفاته الهامة فهو يعالج في هذا المصنف موضوعاً شيّقاً ومهماً جداً، يدخل في باب الأحكام السلطانية والسياسات الشرعية، ويختص بوظائف السلطات وأصحاب الولايات من الأمراء والوزراء والقضاة والقواد، فيذكر ما عليهم من واجبات، وتبعات، ويشير إلى ما يدخل في أعمالهم من تقصير وما يتلبسهم من أخطاء ينبههم على وجوب تداركها واجتنابها. إلا أن ابن طولون لا يقف عند وظائف السلطان وولاته وأتباعه من رجالات الحكم، بل يجاوزها إلى ذكر المهن التي شاعت في عصره يتناولها بالنقد، فلا يكاد يترك مهنة شريفة أو وضيعة إلا ويذكرها، منها المهن المحلية والأخرى العلمية أو الديوانية أو الأميرية... والغريب أنه يسمي هذه المهن كلها مناصب، مع أن المنصب ما دلّ على الرفعة والسموم ولعله حمل الكل على البعض مجازاً. أما الزغل فهو الغش والفساد وهو مجمل ما يدور موضوع الكتاب حوله، إذ يشير إلى ما يدخل على كل منصب من انحرافات، وما يطلب من العاملين فيه من سلوكيات. وتأتي قيمة الكتاب من عدة أمور، منها أنه كتاب عالم مؤرخ، يصدر جوانب الحياة في عصره، ويطلع القارئ على أشياء جانبية منه، كانت تجري آنذاك، ولم تتعرض لها كتب التاريخ العام. والكتاب إلى هذا سجل للمهن والأعمال في زمنه، يذكرها بالتفصيل. وهو كذلك يبرز الناحية الاجتماعية لعصره، فيتحدث بشكل غير مباشر عن ناس بلاده، كيف يحيون، والطريقة التي يتصرف بها أهل كل طبقة من طبقات المجتمع، والعادات التي يعتادونها. وتبرز للكتاب مع التأمل غاية سامية، فهو دعوة صادقة للتمسك بالفضائل والأخلاق وأخذ النفس بالورع والتقوى. فحينما يعرف المصنف بمهمة كل صاحب عمل، ويبين العيوب التي تدخل عليه والأخطاء الملامسة لمهنته ينصح له ويخوّفه الله، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فلا يفرق بين أمير أو مأمور، أجير أو مستأجر. كما وأن القارئ سيتبين أن ابن طولون العلم من جانب الفقه الحنفي، انه ينثر أحكام المذهب هنا وهناك عند أدنى ملابسة أو أقل مناسبة، فيعرض فتاوى الحنفية كلما دعا الكلام إلى ذلك. كما ويظهر له ابن طولون المحدث المتمكن في علوم الحديث العارف بأسماء مشاهير العلماء والمحدثين مشهوريهم وغير مشهوريهم ويورد سلسلة من المراجع الحديثية وأقوال المحدثين، ويروي قصص طلاب الحديث وما يقعون فيه من أخطاء وتصرفات غير حميدة. كما ويقع القارئ عند ابن طولون على قائمة ببليوغرافية من الكتب المهمة، يذكرها في أناء الكتاب ويسمي أصحابها وينقل منها نصوصاً أو أفكاراً وموضوعات. هذا ويلحظ القارئ بأن ابن طولون اقتفى في كتابه هذا أثر تاج الدين عبد الوهاب السبكي في كتابه "معيد النعم ومبيد النقم" الذي ذكر فيه جميع المهن والوظائف والأعمال المعروفة في زمنه فعدّدها كلها، وأوضح ما يدخل عليها من انحرافات، ورسم ما يجب على أصحابها من سلوكيات.