يقدم المؤلف في هذا الكتاب، وصفاً حياً وكاملاً لحياة البدو في شمال وشرق شبه الجزيرة العربية، فقد أقام وعمل في المنطقة قرابة ربع قرن، وعاش مع البدو في خيامهم فقدم للقارئ هذا الوصف الذي ينم عن شدة تتبعه وتدقيقه، وذلك بأسلوب سهل وواضح ميّسر ومثير وشيق، حتى ليجد القارئ نفسه وقد اندمج في حياة البدو وعاش معهم في حلّهم وترحالهم، بخيامهم وبين مواشيهم، وفي رحلات صعيدهم وغزواتهم، يتناول معهم الطعام ويشرب القهوة، ويتحمل في الصيف القائظ الحرارة الشديدة والعواصف الرملية والجوع والعطش، وينتشر معهم في الربيع بمراعيهم مع أغنامهم وأبلهم، وقد اخضرت الأرض وتناثرت برك المياه، لم يترك ناحية من حياتهم ومشاكلهم إلا وعالجها، فقد عرف عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم حتى المعرفة، وتمثلها بجدية، فكان المؤلف والناقد والمتحري عن أدق وأصغر الأشياء في حياتهم، وهو يقدم الوصف لحياتهم اليومية في جميع فصول السنة بحركتهم الدائبة اليومية من أذان الفجر حتى المساء، سواء في أفراحهم أو أتراحهم، وينقل للقارئ عبارات ترحيبهم وأمثلتهم وحكمهم وقصص مغامراتهم وغزواتهم المثيرة، وما يتناقلونه من قصص وحكايا، قارناً وصفه دائماً بالمصورات والأشكال الموضحة لأدواتهم كافة.

إلا أن هذا لم يستطع أن يمنع ديكسون، وهو ضابط الأمن السياسي، أي المسؤول عن المصالح البريطانية في المنطقة، التخلي عن أفكاره الاستعمارية التي يعبر عنها صراحة حيناً، ويدسها أحياناً في روايات بعض الأشخاص محرفاً أقوالهم. وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب يعتبر وثائقياً في معظم جوانبه، إذ إنه يصف حياة البدو في الثلاثينات. لذا فإن كثيراً مما ورد فيه من حقائق ووقائع قد طرأ عليه تغيير اقتضته حياة المدينة والحضارة الحديثة التي دخلت إلى تلك الربوع.