إن الكتابة النقدية، ليست مجرد شرح لنص معطى أو مجرد تأويل لمغاليقه فحسب، بل هي فعل وجود. ومعنى كونها فعل وجود أنها تتعدى الشرح والتأويل إلى الإحاطة بالطريقة التي يفصح بها الكائن عن نفسه في مواجهته لرعب الوجود فيما الخطاب النقدي نفسه يمكّن منتجه من أن يفصح عن كيانه الخاص ورؤاه...
إن الكتابة النقدية، ليست مجرد شرح لنص معطى أو مجرد تأويل لمغاليقه فحسب، بل هي فعل وجود. ومعنى كونها فعل وجود أنها تتعدى الشرح والتأويل إلى الإحاطة بالطريقة التي يفصح بها الكائن عن نفسه في مواجهته لرعب الوجود فيما الخطاب النقدي نفسه يمكّن منتجه من أن يفصح عن كيانه الخاص ورؤاه الخاص.
ضمن هذه المناخات تأتي استشفافات محمد لطفي اليوسفي لفتنة المتخيل في العمل الأدبي العربي سواء أجاء هذا العمل الأدبي ضمن إطار شعري أم نثري والنثري هذا يشمل أنواع النثر كافة. وتأتي هذه الدراسة النقدية لفتنة المتخيل ضمن كتب ثلاث حاول المؤلف من خلالها استكشفاف آليات التفكير التي تدير أنماط الخطاب في الثقافة العربية. لذلك مضت القراءة ضدّ التصنيفات التي تقدم عادة بتقسيم التاريخ الثقافي إلى أحقاب وعصور. ونظرت تلك القراءة في الوشائج الدلالية التحتية التي تدير أنماط الخطاب في هذه الثقافة؛ وهي وشائج بموجبها يصبح تقسيم تلك الأنماط وتفريعها بالاستناد إلى سماتها الظاهرة أو بالاستناد إلى ظرفها التاريخي نهجاً يحجب من أسرارها أكثر مما يكشف. ذلك أن التسليم بأن أنماط الخطاب التي تفصح عنها المتون القديمة أنماط بيئة واضحة المعالم والسّمات يتضمن، في حدّ ذاته، تكريساً لمبدأ الهوية وإبطالاً لعمل الاختلاف. والحال أن الاختلاف هو الذي يتحكم بأنماط الخطاب ويديرها.
ويخلص المؤلف إلى نتيجة وهو أنه وطالما يتملى الباحث الأعمال الأدبية العربية من شعر ورواية وسير ذاتية ومذكرات وخطابات ذات منحى نقدي وفلسفي، أي مجمل أنماط الخطاب التي تؤسس جسد خطاب الحداثة، حين يتملاها الباحث من زاوية المتخيل الذي تصدر عنه وتكرسه، سرعان ما تنكشف له الصورة الحاصلة للمؤلف عن نفسه في الثقافة العربية. وهي صورة تمثّل في حدّ ذاتها، مفاجأة بغيضة من مفاجآت القراءة والبحث، وبالتالي يتبين للباحث في هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، أن طبائع الاستبداد المترسبة في أصقاع الذات العربية، هذه الطبائع البغيضة الموروثة عن أحقاب من القهر والبطش والدم المراق كثيراً ما تستبدّ بالمؤلف فيشرح في ممارسة سطوته على اللغة وعلى الكلمات وعلى الجنس الأدبي، فيما هو يمارس أعتى أنواع القهر والسطوة على متلقّيه المفترض.