-
/ عربي / USD
"يصافح الدكتور رشيد، طبيب العائلة، سليم ويقول: أحسن الله عزاءك، كانت سيدة عظيمة. يتمتم سليم: أشكرك يا دكتور. لم تقصر في العناية بها، إلاّ أن الموت حق لكل أجل كتاب. كنت أتطلع إلى زيارتي الأسبوعية. كان حديثها ممتعاً جداً. كانت مثقفة حقيقية قرأت الكثير من الكتب. كانت تقرأ وتكتب. ألفت أربعة كتب... كانت كلها عن التاريخ، كانت سلسلة من أربعة أجزاء اسمها "مواقف حاسمة في التاريخ". آه: التاريخ والأدب، التاريخ والشعر، التاريخ والسياسة. كانت هذه الأشياء محور حديثها... في الآونة الأخيرة، بدأت تخلط بين التاريخ والواقع. كثيراً ما قالت لي أن التاريخ هو الحاضر الوحيد. يبدو الطبيب متردداً بعض الشيء، ثم يغالب تردده ويقول: أستاذ سليم! هناك شيء عجيب، يتعلق بموتها، رحمها الله.. شيء عجيب! ماذا تقصد؟ ألم تمت بالسكتة القلبية؟ ألم يجيء هذا في تقرير المستشفى؟ ألم تكن تعاني من مرض قلب مزمن؟ لا شك أنها ماتت بالسكتة القلبية، لا شك على الإطلاق. إذن ما هو الشيء العجيب؟ الشيء العجيب، يا أستاذ سليم، أن الممرضة وجدت الفراش مليئاً ببقع من الدماء، وكان رداؤها بدوره مليئاً ببقع من الدماء، مع أنه لم يكن في جسمها جرح واحد. يصمت سليم، ثم يبتسم ويقول: وما هو وجه العجب؟ أليس التاريخ هو الحاضر الوحيد".
سلمى وقصة ووقفات ينسحب فيه الزمان إلى هذا المكان، ومهارة قصيبية في ولوج التاريخ والعودة منه إلى الحاضر، وفي استحضار أحداث تاريخية هامة ومدهما بنسغ الحاضر الحافل بمأساة ذاك الحدث الزمني الماضي. وسلمى تلك الشخصية التي أدّت بكل إخلاص ما أراده منها القصيبي. حملت هموم الحاضر العربي، وحفظت أخطاء ماضيه، وحلمت بعودة إلى ذاك الماضي علّها تضع اليد على سبب تلك الزلاّت التي أدمت قلب العربي في ماضيه كما في حاضره في محاولة لإصلاحها ولو من خلال الخيال.
يتفتل القصيبي من خلال سلمى بين الماضي والحاضر، يقف عند زمن عبد الناصر، ويوغل أكثر متوقفاً عند أيام العرب في الأندلس وعند المتنبي وعند سقوط بغداد وعند أحمد شوقي. تلك المحطات تندفع من خلال مؤشر راديو سلمى الذي مثّل للقصيبي نافذة ينطلق منها خياله عبر عوالم ليعود إليه بخيوطٍ تتشابك فيها الأدبيات بالسياسة والاجتماعية بالوجدانيات وبالكثير من مسحات القصيبي التي لا تضل طريقها إلى مشاعر القارئ وإحساساته وعقله.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد