صدر هذا الكتاب في لندن عام 1978، وفيه وصف لفلسطين في فترة دقيقةٍ وحسّاسةٍ للغاية كانت تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط عموماً والدولة العثمانيّة خصوصاً، ألا وهي أزمة حرب القرم (1853- 1853)، وهي تمثّل، في واقع الأمر، "أزمنةً مثيرةً" أو أزمنةً عاصفة، لكن نصوصه لم تقتصر على هذه الفترة فقط،...
صدر هذا الكتاب في لندن عام 1978، وفيه وصف لفلسطين في فترة دقيقةٍ وحسّاسةٍ للغاية كانت تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط عموماً والدولة العثمانيّة خصوصاً، ألا وهي أزمة حرب القرم (1853- 1853)، وهي تمثّل، في واقع الأمر، "أزمنةً مثيرةً" أو أزمنةً عاصفة، لكن نصوصه لم تقتصر على هذه الفترة فقط، بل تطرّقت إلى ما سبقها وما تبعها لاحقاً. إنّه توثيق لتدخّلات القنصل البريطانيّ اللامتناهية في الشؤون الداخليّة للدولة العثمانيّة، سواءٌ في سنجق القدس أو خارجه، وكأنّ هذه المنطقة خاضعةٌ لنفوذه القانونيّ، ولم يردعه أيّ تأنيب ضمير بالنسبة لنشاطه هذا، حيث إنّ ضميره وإيمانه ومعرفته الملتصقة بمهمّته السياسيّة سهّلت عليه مهامّه الدينيّة أيضاً، والّتي لم يبتعد عنها، وبموجب فهمه وإدراكه للأمور أراد تعزيز قوّة العثمانيّين حلفاء بريطانيا في حرب القرم لمواجهة المخطط الروسيّ الداعي إلى تصفية "الرجل المريض".
يتطرّق جيمس فنّ، في كتابه هذا، بشكل تفصيليّ، إلى النشاط الإستيطانيّ اليهوديّ في فلسطين واصفاً حالة الفقر والقلة التي عاشتها شرائح يهوديّة في القدس خصوصاً، ويصف زيارة الثريّ اليهوديّ البريطانيّ موشي مونتفيوري للقدس وبناءه حيّاً لليهود وطاحونة هواء لطحن حبوبهم، ويصف مواقف القيادات الدينيّة اليهوديّة التقليديّة المشكّكة بمشروع مونتفيوري، ويبيّن الدور الّذي لعبته القنصليّة البريطانيّة في القدس لصالح اليهود، ويتحدّث أيضاً عن حاجة اليهود إلى حمايةٍ من قبل دولته الّتي يمثّلها دبلوماسياً، وهو بهذا يعكس إهتمامه الشخصي وإهتمام دولته بتلك الشريحة السكانيّة بما يثبت توجّهات بريطانيا المستقبلية لإستعمار المنطقة فعلياً، مستفيداً مّما منحته الدولة العثمانيّة للدول العظمى من إمتيازاتٍ، يضغط من هذه الدول، لحماية مصالحها الخاصّة سواء داخل أراضي الدولة العثمانيّة أو عبر أراضيها.
ومن جانب آخر، يقدّم لنا وصفاً من الفلاّحين، والظلم الّذي ألحقه بهم زعماء العشائر والأفنديّة والأعيان والأغوات المعيّنون او المرضيّ عنهم من قبل الدولة العثمانيّة لخدمة مصالح هذه الدولة.