يتحدث هذا الكتاب عن الفكر السياسي لرجال الدولة الأميركيين، فحقيقة أنه لم يظهر في تاريخ الولايات المتحدة كله، أي فيلسوف سياسي، جعل من دراسة فكر هذه... النخبة المختارة من رجال الدولة الوسيلة الوحيدة للتعرف على نوع جديد من الفكر السياسي، يمتاز بخاصية فريدة، فهو لا يقوم على...
يتحدث هذا الكتاب عن الفكر السياسي لرجال الدولة الأميركيين، فحقيقة أنه لم يظهر في تاريخ الولايات المتحدة كله، أي فيلسوف سياسي، جعل من دراسة فكر هذه... النخبة المختارة من رجال الدولة الوسيلة الوحيدة للتعرف على نوع جديد من الفكر السياسي، يمتاز بخاصية فريدة، فهو لا يقوم على نظريات فلسفية،أو اجتماعية أو سياسية بحتة، وإنما على التجربة العملية، والممارسة، والنظرة الثاقبة والفهم العميق لكافة أبعاد قضايا الحكم التي واجهها أشخاص شغلوا على مراتب المسؤولية.
والكتاب دراسة لفكر عدد من السياسيين، ورجال القانون، والشخصيات البارزة الذين أثروا في مجرى الحياة الأميركية، وتركوا بصمات واضحة على فن إدارة شؤون الدولة الأميركي، من خلال ثلاث أزمات عاتية تعرضت لها الدولة الأميركية، وهي أزمة إعلان الدستور، وانقسام البيت، أو الحرب الأهلية الأميركية، والركود الاقتصادي العظيم. وكان يمكن لأي واحدة من هذه الأزمات أن تعصف بالدولة وتفتتها إلى دول صغيرة لو لا فكر حفنة من الرجال تمكنوا التأثير على مجرى الأحداث وقيادة الدولة إلى بر الأمان.
ويعترف واضعو هذه الدراسة، أن ليس في تاريخ الولايات المتحدة أي فيلسوف أميركي له آراء سياسية تستحق الدراسة. وإن أعلى مراتب الفكر السياسي الأميركي هو فكر رجال الدولة فيها، وإن فكرهم هذا على درجة من السمو بحيث يستحق أن يدرس بعناية وتعمق.
وتنبع أهمية دراسة الفكر السياسي الأميركي من عدة حقائق، أهمها، أن هناك حضارة أميركية هي امتداد للحضارة الأوروبية الحديثة، ويعرف أي دارس للعوم السياسية أن ليس في الإمكان قيام دولة عظيمة، وحضارة مزدهرة، دون أسس سياسية عظيمة فالبنية السياسية هي أساس البنية الحضارية، ولا يمكن قيام بنية سياسية عظيمة دون فكر سياسي مستنير، يجتمع حوله الملايين، ويكون هو دستورهم قبل وضع أي دستور آخر. والحقيقة الثانية، إن هذا الفكر عاصر مختلف النظريات السياسية التي أثرت على العالم منذ بداية القرن الحالي، مثل الشيوعية، والقومية الاشتراكية، وفي حين سقطت النظريات القومية الاشتراكية، مثل النازية، والفاشية، فإن الشيوعية لم تحقق ما بشرت به، بينما صمدت الرأسمالية الأميركية وما زالت قادرة على توجيه الأحداث في مختلف أنحاء العالم، مما يجعل جذورها الفكرية مسألة جديرة بالدراسة.