لأن هموم الوحدة والتقدم والقدس ظلت تلحّ عليه، فقد ابتعد الكتّاب عن أدب الرحلات والانطباعات الذاتية، ليتحول إلى فضاء من الرؤية التي يحملها مثقف إسل... امي فيه من العروبة نقاؤها، ومن البداوة صفاؤها، ومن اللغة عذوبتها، يطلّ على المستقبل في اللحظة التي يقرأ فيها دفاتر الحاضر،...

لأن هموم الوحدة والتقدم والقدس ظلت تلحّ عليه، فقد ابتعد الكتّاب عن أدب الرحلات والانطباعات الذاتية، ليتحول إلى فضاء من الرؤية التي يحملها مثقف إسل... امي فيه من العروبة نقاؤها، ومن البداوة صفاؤها، ومن اللغة عذوبتها، يطلّ على المستقبل في اللحظة التي يقرأ فيها دفاتر الحاضر، ويسترجع التاريخ في الساعة التي يهيّئ فيها روحه لاستشراف الغد الجديد. والكتاب استجابة واعية لا ردّة فعل، ومهما بدت فصوله متنوعة وجغرافيته متباعدة من لندن إلى إسلام آباد، ومن باريس إلى طقشند، فإنه في النهاية قراءة معاصرة لحالة الأمّة وهي تواجه تحدّيات هذا القرن.

لقد جمع جمعة حمّاد، في هذه المشاهد، بين روحه العذبة وعذوبة الأسلوب، واستطاع، بالمراوحة بين فضاءي القصّ والسرد الصحفي، أن يقدم لنا نصوصاً مشبعة بالحيوية، وغنية بالمضمون، ويصرّ على تعريفنا بصحبه ومضيفيه في كل رحلة، وإذ يقطف من ورد الذاكرة البدوية جملاً وكلمات فإنه يشكل حياة تملأ النصّ بروح الصلة بالمكان والزمان والناس.

لم يكن جمعة حمّاد خاضعاً للدهشة في الغرب، بل مثّل وعياً سياسياً وثقافياً بقضايا العصر، والصلات بين مصالح الدول وما يقع من أحداث ومظالم، وظلت صورة الفلسطيني التائه تبعث الأسى في روحه في كل سفر عاشه، وكل دعوة لبّاها، وظل صاحب موقف متقدم في الدعوة إلى الدخول في التحدي الحضاري دون أن يخسر روحه، أو يتخلّى عن شيء من مواقفه.

خالد الكركي