أضع يدي فوق قلبي، أسمع خفقان المدبر عن الدنيا والزاهد بمتاعها الزائف. أفتح أجفاني لأرى بياض النهار وبياض غرفني، أبصر معالمها للمرة الألف. لأغطية ا... لسرير رائحة التراب وعرق المكابدة. لا أتحرر من سطوة حلمي الليلي الطويل الذي يختزل عمري في مشاهدة بليغة وملغزة يكتنفها الضباب...
أضع يدي فوق قلبي، أسمع خفقان المدبر عن الدنيا والزاهد بمتاعها الزائف. أفتح أجفاني لأرى بياض النهار وبياض غرفني، أبصر معالمها للمرة الألف. لأغطية ا... لسرير رائحة التراب وعرق المكابدة. لا أتحرر من سطوة حلمي الليلي الطويل الذي يختزل عمري في مشاهدة بليغة وملغزة يكتنفها الضباب وعدم المقدرة على تحديد فيما إذا كانت مفرحة أو محزنة؟ ما أؤكده أني غير مسرور بها، وأعاني من هذا الحلم الخبيث المراوغ ثقيل الظل. أما الكوابيس فرازحة ومستبدة.
هل أزعم أني أبغض النوم؟ أبداً. إنه الملاذ والرحم والمأوى، ومهما يكن دمعاً ورمادياً وجلاب ذكريات أجاهد في محوها يظل أقل قسوة م واقع جهنمي أليم، ويبقى أكثر رقة ورحمة. لذا أسميته النوم الرحيم. كلما إدلهمت الحياة وأظلمت دروبها استجرت به، وتدثرت بأحلام أعلم أنها ستزول إذا ما فتحت نوافذ عيني. الماضي لا يزول. يلذ له أن يسكن رأسي. أسمع تكتكة الساعة القديمة. منذ متى وهي تنبض وتنزف زمناً لا يتوقف، لا يدفق، لا يجري؟ زمن سلحفائي عجوز، يتلكأ كولد عفريت يتعشق العصيان والمداورة. بلغت الثلاثين إذن! بمعية سرحان الرث الكهل المتقاعد، وعبد الواحد الهائم بكونه الداخلي الرحيب، المنحدر من طبقة برجوازية كبيرة، ومعاوية المثالي والرومانسي الحالم بدولة الوحدة القوية من المحيط إلى الخليج. قال أحدهم بما معناه: من يبلغ الثلاثين يستوي ناضجاً ومكتملاً ومكتوياً بنار التجربة ومذاق جمر المكابدات المتنوعة، ولا يرغب بالمزيد لأنه غرف فعرف. ثلاثون وما بعدها فائض عمر. من قال؟!
لغة مسبوكة من عبق التاريخ، تأخذ المفردات المنتقاة فيها دور البطولة، حريص هو المؤلف على مستوى السرد، وفي ذاكرته -وربما أمام عينيه- ما كان يقرؤه في الكتب المقدسة وفي معاجم المأثورات التي عاشت معنا منذ الطفولة والصبا.
يختلط اليوم برائحة البارحة، والزمن مفتوح على فضاء لا نهاية له، وكذلك المكان الذي يظهر ويختفي بحسب الحاجة إليه، والرواية (لعبة) خبيثة يلعبها كل واحد منا بطريقته، أما عن بطولاتها وشخصياتها فقد جمع إبراهيم عقرباوي أسماء اللاعبين، وأعطى لكل واحد منهم حصته في المأساة، وأعني بذلك التهلكة التي يرمون بأنفسهم إليها وهم على علم بما يفعلون.
رواية مهمة عن حقبة من حياتنا تمتد من هزيمة إلى هزيمة، ومن أمل مذبوح إلى أمل فات أوان التفكير فيه، وقد تمكن المؤلف من حسن الأمور دون أن ينتظر ولادة أمور غيرها لا يمكن حسمها لاحقاً.
هذه الرواية، كما هو عنوانها، نهارات شائكة تربك القارئ، لكنها في الوقت نفسه، ترغمه على التفكير بأقدارنا ومصائرنا المغلفة بفراسخ من سواد مبهم، هو السواد نفسه الذي نحن فيه.