-
/ عربي / USD
جاء في التراث الصيني القديم أن الموسيقى، التي هي بنظر بيتهوفن أعلى من كل حكمة وفلسفة، مرتبطة بالعلائق الجوهرية للكائنات، لذلك يجب معرفتها لتسيير أمور الحكم. ويذكر هرمن هيسه في روايته "لعبة الكريات الزجاجية" أن الموسيقى كانت في الصين الأسطورية تلعب في حياة الحكومة والبلاد دوراً قيادياً. وكان الصينيون القدماء يساوون بين ازدهارها أو تدهورها وبين ارتقاء أو انحطاط الثقافة والأخلاق بل والدولة بكاملها. إذ أن جذورها تمتد بحسب نظريتهم في الواحد الأعظم الذي خلق قطبين أبدعا بدورهما قوتي الظلام والنور، وهي لا تبلغ حد الكمال إلا عندما يتوافق الليل مع النهار، وتنسجم الأرض مع السماء، ويسود العالم السلام، وتروح الأشياء وقد اطمأنت، تتبع في تحولاتها تلك التي تعلو، وتبتعد الرغبات والأهواء عن مسالك الضلال، وهي في هذه الحال إنما تنبع من التوازن الناجم بدوره عن العدل، الذي ينشأ عن روح الدنيا، ذلك السر القادر وحده على سبر أغوار الجمال. لكن إذا كان الحكام الصالحون يحبون الموسيقى المرحة الصافية، وهي التي يتميز بها عصر منتظم ذو حكومة متزنة هادئة، فإن الطغاة يفضلون الموسيقى الحزينة الصاخبة، وهي التي يتصف بها عهد مضطرب ذو حكومة منحلة معرضة للخطر وشعب متعصب.
ويؤكد هيسه في كتابه الآنف الذكر بأن للموسيقى قوة تتسلط على الأرواح والأقدام وتسيرهم كأنها وزير آمر وقانون ينضوي له الناس ودولهم. مضيفاً بأنه ومنذ أقدم العصور في الصين، وكذلك في الأساطير عند الإغريق فكرة لعبت دوراً هاماً، وهي فكرة حياة مثالية سماعية للإنسان تسيطر عليها الموسيقى. من هذا كله يرى هيسه بأن الشاعر الذي يمتدح روعة الحياة وفظاعاتها في إيقاعاته الشعرية، والموسيقار الذي يجعلها ترن كالحاضر الخالص، إنسان يأتي بالنور ويزيد البهجة والصفاء على الأرض، حتى لو أخذ بيدنا في أول الأمر عبر الدموع والتوتر والألم.
ضمن هذه المناخات الشفافة يأتي استقراء سمير الحاج شاهين لروح الموسيقى في كتابه هذا. والذي يمثل بمجمله قراءة فلسفية ممتزجة بقراءات شاعرية لا تخلو من انعطافات نحو البعد النفسي للموسيقى في حياة الإنسان. بالإضافة إلى ذلك حاول المؤلف معالجة الكثير من المقطوعات الموسيقية معالجة توضيحية هدفت إلى المضي بعيداً في فلسفة معاني تواترات وإنجازات تلك القطع الموسيقية العالمية التي ما يزال صداها يتردد في جميع أنحاء العالم.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد