-
/ عربي / USD
يلاحظ المتتبع لحركة النقد العربي الجديد-في العقدين الآخرين- تعامل العقل النقدي العربي مع الدراسات الأدبية الأوروبية (البنيوية، مورفولوجيا السرد، النقد الأسطوري، ما بعد البنيوية... الخ)، بحماسة وانبهار كبيرين!! ويبدو هذا العقل وكأنه وجد ضالته المنشودة بعد صبر مديد.
فهل كان العقل العربي في تعامله مع الدراسات الأدبية الأوروبية فاعلاً أم منفعلاً؟ محاورا أم مستقبلاً؟ متمثلاً أن محاكيا؟ وهل حقق العقل النقدي العربي طموحه في نهاية القرن العشرين في إرساء قاعدة علمية للدراسات الأدبية وإقامة نظرية أدبية جديدة؟ وهل وصل إلى غايته في امتلاك منهج نقدي يتجاوز كل المناهج النقدية السابقة؟ وما أصول هذا المنهج؟ وهل اشتقت مفاهيمه الأدبية الجديدة وأدواته الحديثة وخطواته الإجرائية النمضبطة من النصوص الأدبية العربية (كما هو مفروض وكما هو متوقع) أن من منبع آخر؟ وهل روعيت في هذه المنهجية السمات النوعية للأدب في علاقاته المتعددة وأبعاده المتنوعة؟ وهل نجحت التجارب النقدية الجديدة في صياغة وقاعد دقيقة منضبطة في تناول النص الأدبي، تراعي استقلاليته النسبية وتبرز تفاعلاته الذاتية والموضوعية؟ وهل نجحت في تجسيد خصوصية الحركة الإبداعية العربية، وأدركت ما لهذه الخصوصية من أبعاد تتصل اتصالاً حميماً بإشكالية العلاقة بين الذات والآخر (الغرب)؟ وما هي إسهامات الخطاب النقدي العربي الجديد في تشكيل هذه العلاقة؟ وهل حقق إنجازات تذكر في هذا المجال؟ بعبارة أخرى إلى أي مدى تضافر هذا الخطاب مع الخطاب الأدبي في سعيهما لاكتشاف الذات وطموحهما في تشكيل صوت أدبي ونقدي خاص ومتميز؟ وما النقد وما دوره ووظيفته وما علاقته بالنص والمبدع والمتلقي والإطار الحضاري العام؟ ولمن يكتب النقد ولمن يوجه؟ وما حدوده ومتى يتماس ومتى يتداخل مع علم الأدب أو علم النص أو تاريخ الأدب؟
وأخيراً إلى أي مدى أسهم الخطاب النقدي في حل إشكاليات الواقع الأدبي والنقدي والثقافي العربي؟ أم تراه يكرس إشكالية جديدة؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت الدافع الرئيسي للبحث عن إشكاليات النقد العربي الجديد. لكن هذا البحث لم يكن من موقع الرفض أو القبول ولكن من موقع المعرفة والفهم والتطوير والترشيد. لهذا سيجد القارئ أنني حاولت محاورة تياراته الرئيسية: البنيوية، النقد الأسطوري،مورفولوجيا السرد، ما بعد البنيوية... الخ من داخلها لا من خارجها، مراعياً الدقة في عرض منطقها الخاص وأهدافها ومرتكزاتها، ومقدراً جهود النقاد الجدد وحماستهم وحرصهم على تجديد أدواتنا النقدية وتحديثها.
غير أنني لم أقم بمسح شامل تلك الإشكاليات ولهذا وضعت كلمة "من" في العنوان فقد تم التركيز حول الإشكاليات الأكثر أهمية من وجهة نظري. وسيجد القارئ المتمعن بأن محاور الكتاب تتكامل بالتحليل الأخير، فإشكالية هذا التيار أو ذاك تنسحب على التيار الآخر لسبب بسيط وهام هو أن أصول هذه التيارات أو منبعها واحد.
ولم اكتف بهذا بل حاولت أن أضيف محوراً أخيراً هو دراسة نصية تطبيقية لنص روائي (لا روائي) جديد وكان هدفي من إضافة هذا المحور بيان إمكانية الكشف عن نظام النص دون إغفال للتجربة الإنسانية التي يصورها أو منظومة القيم الجمالي-الفلسفية التي يحتويها الشكل، ودون إغفال لنظام التوصيل. وقد اخترت هذا النص الجديد بالذات لتأكيد حقيقة هامة وهي أن النصوص الأدبية الجديدة تفرض معايير نقدية مرنة متحركة جديدة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد