لو كان حسين مجنوناً بحيث يضحي بهذا العنوان الساحر "سأكون بين اللوز" لكان من الممكن أن يستأذن الرومنسية في أن تدخله بيتها بتسمية هذه السيرة "أنا من... بلد الحكايات"، فإضافة إلى التأملات، والتفسيرات، والقراءات المفاجئة لكل ما يخطر في الذاكرة وتتدبره المخيلة، هناك سيل من...
لو كان حسين مجنوناً بحيث يضحي بهذا العنوان الساحر "سأكون بين اللوز" لكان من الممكن أن يستأذن الرومنسية في أن تدخله بيتها بتسمية هذه السيرة "أنا من... بلد الحكايات"، فإضافة إلى التأملات، والتفسيرات، والقراءات المفاجئة لكل ما يخطر في الذاكرة وتتدبره المخيلة، هناك سيل من الحكايات التي ورثها هذا الرجل الذي ظل يقطر شعراً حتى آخر لحظة من حياته، مع أن شاعريته الحقيقية وجدت متنفسها الطبيعي في نص مركب كهذا الذي بين أيدينا.
ويكاد يكون ما قاله د.عبد الرحمن بدوي، بشأن الفيلسوف الوجودي الدنماركي كيركغارد، يتطابق مع صفات كتاب البرغوثي من حيث أنه "خليط غريب من الاعترافات العاطفية الشخصية والتأملات الفلسفية والمقالات الأدبية، وفي الكتاب تتعاقب الأجناس الأدبية: يوميات، عرض منظم، مناجيات، صور أدبية، تفسير أحلام.. الخ" وزيادة على هذه المزايا والسجايا نعود لدى حسين إلى الحكايات التي تجمع سحر الميثولوجيا إلى مكر العقل الذي يقود القارئ، من غير مباشرة، إلى التأويل حيناً وإلى التخيل أحياناً.
تسهم شهادة حسين البرغوثي هذه، بفعالية مؤلمة بقدر ما هي مدهشة، في ملق تعترف من خلاله الثقافة العربية المعاصرة بلحظة استثنائية لمبدعين وقفوا قبالة الموت وجهاً لوجه، وشهدوا على ما شاهدوا (...) وكان إنجاز حسين، في هذا الحيز المتحشرج الحرج، هو ذلك الاطمئنان إلى الحياة في الطبيعة. لقد جاء بصور مذهلة للوديان والجبال والبشر، ولكنه كلام غير الوصف الذي يوفر المقاربة الخارجية، بل كلام يذهب إلى العميق والحميم فلا تعرف ما إذا كنت تقرأ نشيداً في وداع الحياة، أن أنه فصل فلسفي تأملي في تمجيد هذه الحياة.