هذه مجموعة مقالات نشر معظمها خلال 1986-1989 لا يقف وراء اختيارها للنشر في هذا الكتاب أي ادعاء بأن التطورات اللاحقة لم تؤثر على مدى صحة قليل أو كثي... ر من استنتاجاتها وأحكامها، وإن كان فيها، بالرغم من ذلك ما يلقي حزمة ضوء على الحاضر والمستقبل.. مع ذلك يترك للقارئ السوداني وغير...
هذه مجموعة مقالات نشر معظمها خلال 1986-1989 لا يقف وراء اختيارها للنشر في هذا الكتاب أي ادعاء بأن التطورات اللاحقة لم تؤثر على مدى صحة قليل أو كثي... ر من استنتاجاتها وأحكامها، وإن كان فيها، بالرغم من ذلك ما يلقي حزمة ضوء على الحاضر والمستقبل.. مع ذلك يترك للقارئ السوداني وغير السوداني أن يحكم، في نهاية الأمر، ما إذا كانت تستحق إعادة طباعتها ومن باب أولى قراءتها، مع القول بأن ما يتيحه شكل الكتاب من تواصل القراءة للمقالات دون انقطاع زمني بينها ومن إمكانية العودة إليها، يعطي مجالاً لاستشفاف ما هو أبعد من ظاهرها السريع والمبتسر الذي فرضه كونها في الأصل مساهمات متفرقة زمنياً ومحكومة بحيز ورقي ضيق.
لقد وصف السودان-عن حق- بأنه أفريقيا مصغرة والمعنى بذلك أساساً تكوينه الجامع بين الانتماءات الثقافية والقومية والدينية المتنوعة. وإذا كان من خيط جامع بين الموضوعات المتفرقة التي تتعرض لها هذا المقالات فهو منطق معالجتها وفق الوصف التكميلي، والمطابق في آن واحد، القائل بأن السودان هو أيضاً الوطن العربي مصغراً.
إن معانات معضلات النهضة في السودان كما تتجلى في حقوق التنمية والديموقراطية والاستقلالية الحضارية بصورة عامة، هم مشترك بين الدائرتين العربية والإفريقية بنفس القدر. ومن المؤسف حقاً أن تركة ما بعد الاستقلال وما قبله غذت على الدوام تيارات سودانية جنوبية وشمالية تقوم صراحة أو ضمناً على أن هناك تناقضات بين الانتماءين العربي والإفريقي وعلى أن المحتوى العلمي لمصطلح "سوداني" لا يتسع لهما وللخصوصيات التي تميز السودان ضمن هاتين الدائرتين، كل إلى حدودها ووفق طبيعتها. وسوف لا يغيب عن إدراك القار أن القسم المشترك بين هذه المقالات صراحة أو ضمنأً هو الرؤية المعاكسة المشتقة من مفهوم العروبة النهضوية. ولا شك أن المتابع لأحوال السودان منذ انقلاب يونيو/حزيران 1989 سيلاحظ مصدراً آخر للصعوبة التي تعترض توضيح الرؤية المشار إليها وهو مناخ البلبلة الذي يشيعه حول بعض أساسياتها آخر الانقطاعات الدكتاتورية في تطور السودان المعاصر باسم الإسلام.
من هنا نبعت فكرة تجميع هذه المادة، خاصة بعد توقف المجلة التي كانت تحمل لواء هذا الاتجاه بالنسبة للسودان والتي شهدت ميلاد معظم المقالات، لاعتقاد بأن ما يتبقى منها-بعد ما تتضاءل قيمته بتأثير المتغيرات الكثيرة ملحياً وعربياً وعالمياً-يعتبر مساهمة مفيدة وضرورية في إثراء العمل الأساسي السوداني فكرياً بحيث يسبق وعيه خطواته العملية متيحاً بذلك إمكانية لانعكاس الوزن الضروري لقوى التغيير والنهوض الحضاري، شمالية كانت أو جنوبية، في التكوين القيادي للعمل السياسي لبناء الديموقراطية وشروطها وممهداتها.
كذلك فإن بجميع المقالات يستهدف إقامة جسور تعريفية وحوارية مع الرأي العام العربي المثقف والمستنير في المغرب والمشرق حول الهموم المشتركة بما يساعد في تبادل الخيرات النظرية والعملية على هامش المعالجات التي يقدمها الكتاب للموضوع الأساسي وهو معضلات التجربة الديموقراطية الثالثة في ا لسودان (1985-1989).