يطمح هذا النص إلى إقامة علاقة. علاقة بين لوحة فنية عن الحرب وبين مدينة عربية في الحرب. تتناول الكتابة إذاً تجربة بصرية مزدوجة: النظر إلى جد... ارية "غيرنيكا" لبابلو بيكاسو من خلال عيون عاشت هي نفسها تجربة الحرب؟ والنظر إلى بيروت من منظار عمل فني. السعي، في الحالة الأولى، هو...
يطمح هذا النص إلى إقامة علاقة. علاقة بين لوحة فنية عن الحرب وبين مدينة عربية في الحرب.
تتناول الكتابة إذاً تجربة بصرية مزدوجة: النظر إلى جد... ارية "غيرنيكا" لبابلو بيكاسو من خلال عيون عاشت هي نفسها تجربة الحرب؟ والنظر إلى بيروت من منظار عمل فني. السعي، في الحالة الأولى، هو لتطبيق فكرة تقول بأهمية دور التجربة في التذوق الفني. ويمكن اعتباره أيضاً امتحاناً لقدرة عمل فني على الشمول الإنساني. أما الحالة الثانية، فتنويع على فكرة "الحياة التي تتشبه بالفن" (أوسكار وايلد)-مدينة تتشبه بلوحة وتتشكل كلوحة.
الذين تسنى لهم أن يتجولوا في بيروت في خريف العام 1982 يستطيعون أن يشهدوا على عمق وزخم التجربة البصرية-الإنسانية التي ينطوي عليها مشهد المدينة الجريحة الخارجة من الحرب. إن هذا المشهد -الذي حشد وكثف تجربة الحرب الأهلية المديدة، مضاعفة بالغزو الإسرائيلي والمقاومة البطولية ضده-هو الحافز على كتابة هذا النص، وهو الذي حدد زاوية النظر إلى اللوحة.
ينطلق البحث من تساؤل: ما تأثير الحرب الأهلية الإسبانية على ممارسة بيكاسو في ميدان الفن التشكيلي؟ وقد استلزم الجواب، بادئ ذي بدء، إلقاء نظرة على تجربة الجمهورية والثورة والحرب في إسبانيا خلال ما يقارب العقد من الزمن (1931-1939). والذي بين أيدينا محاولة لتصوير مناخ يقارب المناخ الذي عاشه الإسبان خلال تلك السنوات. وإذا كان الكاتب لم يستطع أن يقاوم، أحياناً، إغراء المقارنة بين الحرب الأهلية الإسبانية والحرب الأهلية اللبنانية، فقد كان ذلك من باب إضاءة العلاقة بين الحرب اللبنانية وبين اللوحة الإسبانية، لا أكثر. فالدراسة المقارنة بين الحربين تتطلب، بالطبع، مستوى آخر من المعالجة-تاريخياً ونظرياً-يفيض عن حدود النص الحالي.
إن تحدي الحديث عن أشهر لوحة فنية في هذا القرن ليس بالتحدي السهل، وكان بديهياً عدم الاكتفاء بتأملات شاطحة أو بمجرد لمعات خاطفة عن جدارية المعلم الإسباني. فالانطباعات والسوانح والتخمينات والخواطر الأولى ما لبثت أن قادت إلى جهد بحثي ودراسي يطمح لقدر من الإحاطة والتكامل. ولما لم يكن هاجس الكاتب اجتراح رؤيا متفردة أو مبتكرة ولا إطلاق القول الفصل الجامع المانع بصدد اللوحة (وكأن هذا ممكن أصلاً!) فلم يتردد في أن يلعب في قسم كبير من بحثه دور القارئ بالنيابة عن القارئ.