ما من قصيدة إلا وتكتب شاعرها، أعني أن القصيدة تحتفظ لنا دائماً بخرائط سرية تقودنا إلى سراديب الشاعر وعتماته ومياهه الجوفية، ومهما حاول الشاعر أن ي... تجرد عن نصه، أو أن يتخفى وراءه ليمنحه وجوداً مستقلاً، إنه لن يستطيع أن يضع نفسه خارج النص أبداً. من هنا تبدو الكتابة الشعرية،...
ما من قصيدة إلا وتكتب شاعرها، أعني أن القصيدة تحتفظ لنا دائماً بخرائط سرية تقودنا إلى سراديب الشاعر وعتماته ومياهه الجوفية، ومهما حاول الشاعر أن ي... تجرد عن نصه، أو أن يتخفى وراءه ليمنحه وجوداً مستقلاً، إنه لن يستطيع أن يضع نفسه خارج النص أبداً.
من هنا تبدو الكتابة الشعرية، في أعماقها، شكلاً من أشكال السيرة الوجدانية التي تعني برصد الروائح الغامضة والأمزجة والنسيانات واللحظات المفقودة والمذاقات التي شكلت "الوجود الخيميائي" للشاعر، ومنحته ملامحه النهائية: لغته، وإيقاعاته، وموضوعاته، ورؤيته الشمولية.
وفي هذه المجموعة الشعرية الجديدة، يبدو واضحاً نزوع الشاعر نحو رصد ذاته الظلية الغائبة، لا بالعودة إلى الذكريات والأحداث، بل بالعودة إلى تلك "الخيمياء" السحرية التي أحدثت الأحداث والذكريات، وقبعت متخفية وراءها.
لقد كان الشاعر الفلسطيني في الستينات والسبعينات، منهمكاً في لملمة سيرة مرتبكة للذات الظلية الجمعية، لكنه تحمل، فيما بعد، إلى التحديق في عتمته الشخصية، والتجسس على حدباته وتجاعيده وحفر انهدامه، بلغة تتأمل أكثر مما تقول، وتضيء على الذات أكثر مما تضيء على الأشياء.
هكذا تساهم هذه المجموعة، بشكل فعلي، في تعميق الانعطافة الشعرية التي عمل عليها شعراء عرب كثيرون، مثلما فعل محمود درويش في مجموعته المهمة "لماذا تركت الحصان وحيدا"، وتشكل إضافة مهمة تجربة غسان زقطان الشعرية.
زهير أبو شايب