متى وقعت في حب فيصل الصغير؟ لا أدري.. لكن ربما منذ رأيته بين يدي الطبيبة و بشرته زرقاء، أشقر الشعر بعينين بنيتين بصفاء عجيب، حملته بيدي ملفوفاً بخ... رق بيضاء، يصرخ صرخات محمومة و:انه يدرك كل شيء.. فتح فاهه الصغير وكأنه يستنشق عبير أمومة سيفقدها إلى الأبد.. اعترتني رجفة ومست...
متى وقعت في حب فيصل الصغير؟ لا أدري.. لكن ربما منذ رأيته بين يدي الطبيبة و بشرته زرقاء، أشقر الشعر بعينين بنيتين بصفاء عجيب، حملته بيدي ملفوفاً بخ... رق بيضاء، يصرخ صرخات محمومة و:انه يدرك كل شيء.. فتح فاهه الصغير وكأنه يستنشق عبير أمومة سيفقدها إلى الأبد.. اعترتني رجفة ومست جسدي قشعريرة ألمتني.. أنه لا يشبه سارة بل على الأرجح هو صورة من والده.. لكنني أحسست بدم فيصل يكاد ينبثق من وجنتيه.. يده الصغيرة تتشبث بأصابعي، وكأنها تستحلفني بألا ألقي به في غياهب المجهول، وكأنها تقسم لي بأغلظ الإيمان ألا أتركه من أجل فيصل حبيب العمر وخدين الروح..
همست وعيناي معلقة بهذا الكائن الجميل: أرجو ألا تراه سارة فإنها ستتعلق به حتماً.. ذهلت الطبيبة كما أذهلني جمال هذا الطفل العجيب.. بيد أن ذهولي كان يخالطه حب غريب بدأ ينمو بين أضلعي، كنبتة صحراوية انبثقت من بين الصخور والرمال.. تضعف حبي له وازداد حينما أنت سارة قائلة: دعوه يموت.. دعوه يموت..
ضممته إلى صدري بقوة، وتمنيت لو كانت لي القدرة على حشره داخل حناياي فأحميه من كل مكروه.. ارتعبت من نظرة سارة التي وجهتها نحو الصغير.. نظرة مقت وألم وامتعاض ثم صرخت كلبؤة جريحة: لا أريد أن أرى هذا الطفل.. سألت الطبيبة بهمس وقلبي يخفق بقوة: إذا توفر للطفل أكسجين.. فهل سيعيش؟ اتقدت عيناها بلهيب النقود وهي تهمس: بالطبع.. لكن الأكسجين يحتاج لنقود و.. قاطعتها بصوت خافت حرصت ألا يخالط سمع سارة: أعملي كل ما بوسعك لإنقاذه وسأعطيك كل ما تريدين.. لكن طمئني سارة بأن الطفل سيموت قريباً.. أرجوك..
ثم وضعت في يدها مبلغاً من المال كدفعة أولى، وذهني يعمل في كل الاتجاهات.. ماذا أفعل بالطفل فيما بعد؟".
عيون قذرة للكاتبة والأديبة العربية قماشة العليان، إنجاز رائع وجميل وهادف، يجمع في دفتيه الأسلوب الرقراق والعذب، والأفكار الجذابة الموحية التي تعيشها مجتمعاتنا، في لحظات حياتها الفردية والجماعية، وتصوير خلاق وواقعي لنفسيات الناس ومشاربهم وأهوائهم وتصرفاتهم في علاقاتهم الشخصية واليومية، وممارسة نشاطاتهم وتبادل منافعهم، وهي عرض لمجموعة القيم التي ترسم العادات والتقاليد والأهداف والغايات، ذلك بمنهج حواري سردي مغر ومسل، دفاق بالحيوية، تلعب فيه الشخصيات أدوارها بخفة ودقة ومهارة، ويغيب وجه الكاتبة خلف الستار، دون أن تترك تأثيراتها الذاتية على مسيرة العمل الروائي، إنما تدع الأحداث تجري بسهولة ويسر، ويلعب أبطال الرواية أدوارهم بوعي وإدراك، فهي والحالة تستجيب لمتطلبات فكرنا وأدبنا العربي، وتمده بعمل روائي مميز.