-
/ عربي / USD
حتى هذا العصر، عصر الصناعة الفنية والإنسان الآلي، لا يزال للشعر مكان الصدارة بين الفنون، لأن الحاجة إليه تنبثق من أعماق النفس الإنسانية، بوصفه التعبير الحي المتجدد أبداً عن نزوعها إلى ما فوق الواقع، وعن إحساسها بالروابط المستمرة بين ظواهر الطبيعة، وعن مشاركتها في سر الإبداع والخلق، وعن تعاطفها مع سائر بني الإنسان، وعن خفايا العواطف التي يتميز بها الإنسان عن سائر الكائنات: والشعر المعاصر الأوروبي يمثل هذا العصر: بما فيه من قلق بالغ على مصير الإنسان بعد ازدياد آلات الدمار الشامل إلى حد يخشى معه حتى على مجرد الوجود الإنساني بأسره.
وهذا القلق الكلي هو السبب في قيام اتجاهات شعرية متطرفة إن في الشكل وفي المحتوى، نشدانا للجدة بأي ثمن، وتبرماً بالماضي مهما يكن، وتعبيراً عن اليأس الإنساني البالغ، ومظهراً من مظاهر دور الخريف، بل الشتاء في سير هذه الحضارة. غير أن تاريخ الفكر الإنسان قد دل على أن المصير المحتوم لكل الاتجاهات التي لا تقوم على أساس راسخ من القيم الحقيقية هو الزوال السريع والنسيان، مهما تلألأ بريقها الخاطف في فترة من الزمان.
وفي هذه الدراسات التي يتضمنها هذا الكتاب سيجد القارئ الأنماط الكبرى لهذه الاتجاهات على اختلافها في الشعر الأوروبي المعاصر، ولعله سيتساءل مع الكاتب الناقد عند الفراغ من قراءتها: لكن ماذا سيبقى على المدى الطويل من هذه الاتجاهات؟ ولعل الجواب عنده يكون مثل الجواب الذي توصل الكاتب الناقد إليه ألا وهو: قليل جداً جداً!.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد