في هذه المجموعة الشعرية، يحضر التاريخ ليستنطق، لأنه أكثر سطوعاً وراهنية ودرامية وأكثر قدرة على التعبير من هذا الحاضر الذي تتأزم الذات عند مواجهته،... ولا تستطيع أن تراه إلا منعكساً في مرآة الماضي النكوصية. واستخدام التاريخ، هنا، ليس استخداماً إسقاطياً. إنه أقرب إلى...
في هذه المجموعة الشعرية، يحضر التاريخ ليستنطق، لأنه أكثر سطوعاً وراهنية ودرامية وأكثر قدرة على التعبير من هذا الحاضر الذي تتأزم الذات عند مواجهته،... ولا تستطيع أن تراه إلا منعكساً في مرآة الماضي النكوصية.
واستخدام التاريخ، هنا، ليس استخداماً إسقاطياً. إنه أقرب إلى التراسل، حيث يلجأ الشاعر أحياناً إلى خلط الأزمنة، والتعامل مع شخوص الماضي كما لو أنهم من شخوص الانتفاضة الفلسطينية، ولذا فإن المقروء، هنا، ليس الحاضر بالذات، وليس الماضي بالذات، بل ما يربط بينهما: وهو (الهزيمة).
هذه، إذن قراءة لإحداثيات الهزيمة وآلياتها التي تتكرر، وكأن هاجس الكتابة البعيد، هنا، هو محو الحاضر بالماضي الذي يشبهه، و(الخروج) من الزمن الراهن (إلى) زمن (الحمراء) الكارثي، وهذا ما يجعل نصوص المجموعة كلها مشفرة بما يشبه (التحذير) للذات في حاضرها الملتبس، و(التذكير) بماض ينتظرها في المستقبل.
وباختياره نموذج السقوط الأندلسي، فإن الشاعر، هنا، لم ينتج نصاً تعبوياً تحريضياً كما دأب كثير من الشعراء في مواكبتهم لما يحدث في الزمان والمكان، بل أنتج نصاً أسود ذا نفس رثائي وميالاً إلى ما يشبه الهجاء المضمر لهذه أل "نحن" التي أفرطت في الحاضر (اللامكتمل) بالماضي (المكتمل)، وتجعل المحصلة النهائية مساوية للمصير الأندلسي، لكنها قادتنا إلى (منطقة الهواجس) المطمورة في أسفل الوجدان العربي، وفضحت قلق الزوال الذي ينتابنا، كما قدمت لنا شكلاً آخر-غير نوستالجي-من أشكال العودة إلى التاريخ، ومنحت النصوص أفقاً درامياً ومعرفياً وإيقاعياً، ولعل العنوان (الخروج إلى الحمراء) دليل على انتباه الشاعر إلى مأزق القراءة الإسقاطية،والتفافه من خلال الإشارة إلى أن الخروج ليس (من) الحمراء، بل (إلى) الحمراء هذه المجموعة تمثل تطوراً في تجربة المتوكل طه الشعرية.