-
/ عربي / USD
"مساءً يحطُّ على عبق الياسمين. يحط كطير جريح ينفض أجنحةً من حنين. ولست هنا كي أعانقه، بل أنا كي أشاهده من قريب، أرى فيه نفسي تحط على عبق الياسمين. مساء حزين، وشيء يهب خفيفاً، يهبّ عميقاً. أهذا هو الشوق؟ شوق طليق إلى كل شيء. كأني أرى ما يفارقني، وأنا جالس نحو هذا المساء، يفارقني كي يشاهدني من قريب. أهذا هو الشعر؟ روح تهب عميقاً، وتنسل في خفةٍ، لترفرف مثل سماء قد انبثقت بين حين وحين. مساءً حزين. ألست هنا كي أعانقه؟ كي أرى فيه نفسي تهب قليلاً قليلاً، لتغرق في عبق الياسمين. خريف يلوح، وعطرٌ لأيلول، لست هنا في شرودي المسائي إلا لأشهد سانحة من هبوبي، لأشهد سانحة من فناء لطيف. أيعرف هذا المساء الذي يتخطفني؟ إنني حين أغبط نفسي لديه، أراقبها وهي تأنس سحر الغياب. أراقبها وهي تأمن هؤلاء شفيفاً، كجنح الضباب. خريف يلوح، وأيلول شهقة عطرٍ، ولست هنا في شرودي المسائي إلا لأغبط نفسي، لأشهدها وهي تخطر مثل الهواء. تحرك ثقل الوجود، وتأنس معي الفناء".
كما في قصيدته هذه "شرود" هو في سائر قصائده التي جاءت ضمن أعماله الشعرية، شفافية مغرقة، ومعاني عميقة، وسيالات موسيقية كلها تجد طريقها إلى النفس التي تترنم على وقع موسيقى قصائده متسامية وماضية بعيداً باحثةً عن أبعاد المعاني التي سافرت إليها عباراته. فصاحب هذه القصائد شاعر بكل ما في الكلمة من معنى يتخذ من القصيدة مساحة تنطلق عبرها مشاعره، وتبرز في حناياها إمكاناته في تشكيله لهذه العبارات التي تنساب بتلقائية رائعة.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد