قليلة هي الأقلام الروائيّة في عُمان، والأقلّ منها الأسماء النسائيّة منذ أن تأسّس هذا الإبداع الأدبيّ الخلاّق في ثلاثينيّات القرن العشرين ممثلاً في... رواية "الأحلام"، ومنذ أن تبلور في ستّينيّاته عند أسماء من مثل: عبد الله الطائيّ في روايتيه: "ملائكة الجبل الأخضر" و"الشراع...

قليلة هي الأقلام الروائيّة في عُمان، والأقلّ منها الأسماء النسائيّة منذ أن تأسّس هذا الإبداع الأدبيّ الخلاّق في ثلاثينيّات القرن العشرين ممثلاً في... رواية "الأحلام"، ومنذ أن تبلور في ستّينيّاته عند أسماء من مثل: عبد الله الطائيّ في روايتيه: "ملائكة الجبل الأخضر" و"الشراع الكبير"، وأحمد الزبيدي في "مكان للسقوط اسمه مسقط"...

فهذه المحاولات الرائدة باتت في عهدة التاريخ الأدبيّ، وقيمتها أنّها أرست دعائم تجربة روائيّة لا نبالغ في القول أنها مثّلت المرجعيّة الأولى للأقلام الروائيّة في عمان، أمثال تجربة سعود المظفر، وسيف السعدي، وعلي المعمّري، واستفادت منها الأجيال اللاحقة الّتي نرى إبداعاتها اليوم متطورة تضاهي أمثالها من التجارب العربيّة، بل تتجاوزها في كثير من المعالم الفنية.

وفي إطار مدّ الجسور التأسيسيّة لهذا الخطاب الأدبيّ المميّز تأتي تجربة الكاتبة زوينة الكلباني متوافقة - على المستوى التاريخي وأحياناً الموضوعيّ - مع نظائرها من الإبداعات الروائيّة العمانيّة، او قل تجارب المرأة الروائيّة شان تجربة غالية آل سعيد، وجوخة الحارثي، وبدريّة الشحّي، وهدى الجهوري، وغيرهنّ.

منذ عهد ليس بقريب كانت صاحبة "ثالوث وتعويذة" ترصد معالم النفس الحيرى، وتنحت في الذات المحمّلة بوهج اللحظة الحالمة لتخطّ فيها تداعيات نفسيّة هي بالتأكيد عصارة معاناة وإستشراف أفق، وها هي اليوم تدفع بهذا النصّ نشراً مستعينة تداعيات نفسية هي بالتأكيد عصارة معاناة وإستشراف أفق، وها هي اليوم تدفع بهذا النصّ نشراً مستعينة بموهبة نحسبها خلاّقة في هذا المجال الإبداعيّ، فالكاتبة لديها رصيد معرفي وسلسلة من القراءات المستفيضة أرست بلا شكّ دعائم تجربة مميّزة.

إنَّ أهمّ ما يميّز هذا النصّ الروائيّ إتّكاؤه على رصيد كبير من الرؤية والرؤيا الّتي استطاعت من خلالهما الكتابة التعبير عن واقعها الذاتيّ الإنسانيّ منصهراً مع مؤثراته المحليّة والعربيّة، فكأنّها ترسم بذلك لوحة للشخصيّة المحليّة (العمانيّة) بإرثها وألقها وحلمها، فهي شخصيّة كما تبدو لنا منصهرة في فضاء التجربة الواقعيّة سياسيّاً وإجتماعيّاً وثقافيّاً.

إن أكثر ما يسم هذه الرواية اللغة الصافية السلسة الّتي تحلّق فيها الكاتبة كالرومنسيّين في فضاء الخيال لتشدّ القارئ، وتجعله مرتبطاً بالمكوّنات الروائيّة زماناً ومكاناً وأحداثاً وشخصيّات، وكلّ ذلك من أجل كشف حالة الذات المحمّلة يوهج العاطفة المتدفقة بلا حدود.

إنّ مثل هذا النصّ المفعم بالجمال يحمل مغازي بعيدة وإن بدا قريباً من البوح العاطفيّ يفعل الإستطراد، كما إنّ له إرتدادات فنيّة محكمة ورؤية سلكت فيها الكاتبة خطى الكتّاب العرب المؤسسين وإن اختلفت معهم في درجة العمق بفعل الخبرة والمراس، وهذا يجعل القارئ منبهراً بالنصّ، ويجعل كاتبته زوينة الكلباني تمتلك الأداة الروائيّة بكلّ إقتدار وتميّز.