-
/ عربي / USD
أحمد محمد حسنين رحالة مصري، درس في جامعة أكسفورد بإنكلترا وعاد إلى القاهرة سنة 1914، فتولى مناصب هامة، وعرض على الملك فؤاد الأول فكرة هذه الرحلة فأعجبته الفكرة وسمح بإعطائه إجازة طويلة، وأصدر أمره إلى الخزينة المصرية لمنحه نفقات الرحلة التي قام بها سنة 1923 وهو في الرابعة الثلاثين من عمره.
كان عدد رجاله في قافلة الرحلة تسعة وثلاثين رجلاً، وعدد الجمال التي اكتراها الرجل خمسة وثلاثين، إضافة إلى الجواد الذي اشتراه في أثناء الرحلة. وقد انضم إلى القافلة أيضاً بضعة رجال آخرين من الراغبين في التجارة ومعهم جمالهم. قطعت القافلة، من السلوم على الساحل المصري حتى وصلت مدينة الأبيض، عاصمة محافظة كردفان جنوبي الخرطوم في السودان، مسافة (3500) كيلو متر، على وجع التقريب، واستغرقت الرحلة سبعة شهور وثلاثة وعشرين يوماً.
لكن هذه الأرقام الجامدة لا تستطيع أن تعطي صورة معبرة عن المصاعب والمخاطر والأهوال التي عاناها رحالتنا المغوار ورجاله الصابرون الأوفياء. ويكفيه فخراً أنه اكتشف واحتين هما أركنو والعوينات واثبت موقعيهما على الخريطة.
وحسبنا هنا أن نشير إلى ثلاثة من كبار الخبراء البريطانيين عكفوا على دراسة هذه الرحلة ومحصلتها العلمية، وقاموا بفحص العينات ومقارنة الأرقام والملاحظات التي دونها الرحالة يوماً بعد يوم، وأحياناً ساعة بساعة، وشملت النواحي الجغرافية والفلكية والجيولوجية والطبوغرافية، وكان لها نتائج علمية بالغة الأهمية. ومن المؤكد أن الرحالة لم يحصل على هذه المثار العلمية بيسر وبساطة، لكنه كرس جهوده طوال شهور، وعرض حياته لأخطار التيه والهلاك، حتى أدركها وأتت أٌكلها بين يديه.
وأول ما يلفت النظر في هذه التجربة القاسية أن الخطر القاتل، المتربص في كل خطوة أو إغفاءة في قفار الصحراء الليبية، ليس توهماً مرضياً ولا هاجساً دخيلاً لكنه احتمال قائم صباح مساء. وهذه المكابدة الجسدية والنفسية، على مستوى الإنسان ومطاياه من خيل وجمال، والتي امتدت مئتين وخمسة وثلاثين يوماً، تشكل مغامرة علمية استثنائية كان من محصلتها القيمة شق طريق بكر في تلك الصحراء الأفريقية المترامية الأمداء، واكتشاف واحات كانت مجرد أحلام في خاطر المغامرين القدماء، إضافة إلى تحديد مكان الكفرة على الخريطة ومركز آبار الظيغن ومواقع العديد من التلال والآبار الأخرى. قطع رحالتنا، خلال تلك الشهور، آلاف الكيلومترات من الفيافي الجرداء الموحشة ليعود بما لم يستطع غيره من المغامرين الأوروبيين أن يعودوا بأكثر من نجاتهم، وبعضهم كانت نهايته الهلاك.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد