هذا بحث في واحدة من أكثر القيم الإنسانية نبلاً وكرامة، وهي قيمة إسلامية تعكس أفضل ما في شخصية الإنسان ثقافياً وإنسانياً، وهذه القيمة/المبدأ هي الش... هادة، وهي قيمة كريمة يعززها الشهيد الحاضر الحي، أول الصفحات وأول السيوف وأول الدم. والبحث محاولة في العبور إلى عالم الشهداء...
هذا بحث في واحدة من أكثر القيم الإنسانية نبلاً وكرامة، وهي قيمة إسلامية تعكس أفضل ما في شخصية الإنسان ثقافياً وإنسانياً، وهذه القيمة/المبدأ هي الش... هادة، وهي قيمة كريمة يعززها الشهيد الحاضر الحي، أول الصفحات وأول السيوف وأول الدم. والبحث محاولة في العبور إلى عالم الشهداء كما يصوره الشعر العربي الحديث.
للحداثة هنا وجهان: وجه النضال الذي بدأته الأمة من أجل الحرية والكرامة والاستقلال والوحدة. ومن أجل أن لا يستلبها الآخر العدو، وأن لا تضل بعيدة عن المشهد الإنساني الذي رسمت برسالتها بعض أجمل صفحاته الإنسانية من أجل الفقراء والصابرين والمستضعفين، وكانت طريقها إلى ذلك تبدأ من كتاب الشهادة. والوجه الثاني هو هذه النخبة من شعرائنا منذ يقظة الأمة على لغتها وحضورها وقصائدها في الزمان الجديد الممتد عبر القرنين الحالي والماضي، هذه النخبة التي يكشف التمازج بين قصائدها وبين وجع تجربة النهضة ومخاض الثورة عن أبرز وجوه الحداثة الشعرية، أعني حداثة الرؤية التي ر تنهض من غير صلة بالجذور، ولا تعطي دون انفتاح على الحياة الحاضرة واستشراف للزمان القادم، القريب منه البعيد.
لقد شكلت دماء شهداء الأمة فجر نضالها وضحاه، وكان من حق دمهم على الإبداع، أن يرد على نبعه وأن يكتب فيها قصائد لها من دمهم الأرجوان ومن عطر حضورهم رؤى جديدة ولغة عالية، وإيقاع جديد، كان على الشعراء-وقد فعل ذلك الكثيرون منهم، أن يرقدوا جمرة الإبداع بوجدهم، وأن يغدوا حركة الحداثة الشعرية وعروق الكلام ببهجة الموت الصعب/الموت الاختيار عند الشهداء، وكان عليهم أن يظل خلود الشهيد عنوان قصائدهم حتى يرى الأحياء، وهم مؤمنون بأنهم ميتون.
أن للموت صورة أخرى كريمة عزيزة هي أبعد من مجرد الرحيل، بل هي الحياة نفسها تبعث من جديد، وكان عليهم أن يصلوا زمن سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وزمن ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب بزمن شيخ المجاهدين عمر المختار، والشهيد الإمام عز الدين القسام، وأن يكتشفوا بالشعر، وهو طريقهم إلى المعرفة بالحدس، سر العتمة التي ترخي سدولها على الأمة، وأن يستشرفون ما وراء الرؤية والدهشة من هذا الدم الطهور الذي لا نهاية لنهره الممتد من بدر وكربلاء، والذي لا يهدأ حتى اليوم ولا يتوقف عن الجريان.
إن هذا البحث كتابة تحاول الالتزام بشروطها الأكاديمية في الاستقصاء والتوثيق، لكنها أيضاً عن الخالدين كما استحضرهم الشعراء من أصحاب الرؤية والكشف فالذين يلقون وجه ربهم فرحين بأنهم قتلوا في سبيله، يعودون إلى الوجدان من خلال الشعر الذي يملأ كتب الجيل الجديد ودفاتره، ويطلعون من بحور الشعر وإيقاعاته ورموزه وقوافيه، وإذا بنا نتلف صوب صوت خالد، صوت ذي الجناحين على مشارف مؤتة:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارداً شرابها.