كثرت في جوامع ومدارس دمشق المحروسة ظاهرة السماعات المكتوبة على طرر المخطوطات وفي آخرها، خصوصاً بعد منتصف القرن السادس الهجري، ومن المعلوم عند المح... دثين أن للسماع قيمة أصيلة، ورتبه رفيعة في توثيق رواية نص الحديث، وأنها جزء من الإسناد، والإسناد من الدين، وهو كرامة لهذه...
كثرت في جوامع ومدارس دمشق المحروسة ظاهرة السماعات المكتوبة على طرر المخطوطات وفي آخرها، خصوصاً بعد منتصف القرن السادس الهجري، ومن المعلوم عند المح... دثين أن للسماع قيمة أصيلة، ورتبه رفيعة في توثيق رواية نص الحديث، وأنها جزء من الإسناد، والإسناد من الدين، وهو كرامة لهذه الأمة المحمدية، وكانت هذه السماعات معظمها تقام في المساجد والمدارس، ومما زاد في ذلك أن السلاطين والأمراء قد اعتنوا ببناء المدارس وازدهارها، ليتولى العلماء فيها إقامة الدروس، وإقراء كتب الحديث وغيرها من علوم الإسلام.
فهذا نور الدين الشهيد يبني مدرسة ليتولى التدريس فيها الحافظ ابن عساكر، وهذا الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن العادل بنى دار الحديث الأشرفية، وجعل شيخها الحافظ ابن الصلاح. وبالجملة فقد حرص أئمة الحديث في هذه الديار كالحافظ ابن عساكر، وابن الصلاح، والحافظ ضياء الدين المقدسي صاحب "المختارة"، وجمال الدين المزي وغيرهم، على قراءة كتب الحديث المشهورة، وأجزائه المنثورة، وذلك في أروع صورة مشرقة من تقييد للسماع، و حرص على رواية الحديث وكتبه، وتسجيل الحضور من حيث اسم المسمع، سواء أكان المصنف أن غيره من العلماء المعروفين بالحفظ والمعرفة، والقارئ للأصل، وقد يتعاقب على القراءة أكثر من واحد، وكذلك تدوين اسم كاتب السماع أو الطباق، ثم سرد أسماء الذين حضروا السماع كاملة مع ذكر ما لهم من صفة إن كانوا من العلماء أو الحفاظ، وتذكر أسماء الرجال والنساء، ومن شارك في مجلس السماع، سواء أكان ذلك سماعاً أم إحضاراً، وتاريخه ومكانه، ثم التعقيب على ذلك بقولهم: صحيح ذلك، أو صح ذلك وثبت أو صحيح كتبه مؤلفه.
ولا شك أن هذا كله يدل على أن للسماعات شأناً كبيراً، فهي تعطي للمطلع عليها ما كان عليه أئمتنا من التثبت العلمي، وما أخذوه من علم أصيل، وما سمعوه من الكتب والفنون. وهي مصادر مهمة لمعرفة مراكز العلم في البلدان الإسلامية، وحركة تنقل أهل العلم فيها، إلى غير ذلك، مما يدل على ضبط هذه الكتب وتوثيقها وصحتها.
وإحياءً لسنة هؤلاء العلماء في العرض والمقابلة والسماع، فقد يسر الله تعالى لـ"محمد بن ناصر العجمي" قراءة جملة من الكتب والأجزاء والفرائد المفيدة في بعض جوامع دمشق ومدارسها، وطريقته في ذلك هي إعادة قراءة تلك الكتب والأجزاء المقروءة فيها إلا أن يعتذر ذلك لاندراسها أو إغلاقها.
وبين يديك من هذه السلسلة "سبعة مجالس من أمالي الإمام المعمر محمد بن عبد الرحمن المخلص" المتوفى سنة (393هـ)، والتي قرأها أئمة الحديث في هذه الديار المباركة وسجلوا ذلك بخطوطهم كالراوي لها الحافظ علي بن عساكر، ومسند الدنيا الفخر ابن البخاري، والحافظ المتفنن المزي، والبرزالي، وابن كثير وغيرهم، وذلك في أماكن متعددة أولها جامع دمشق الأموي، وجامع الحنابلة بسفح قاسيون، ودار الحديث الأشرفية.