شغلت مسألة كيفية نشوء الفقه الإسلامي ومكان ظهوره وزمانه حقل البحوث الإسلامية منذ ما يزيد على قرن من الزمان؛ انطلق المرء بادئ ذي بدء من تطوُّر مطَّ... رد، بدأ إبان حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأفضى في نهاية الأمر إلى المذاهب الفقهية في القرنين الثاني والثالث الهجريين (حوالي...

شغلت مسألة كيفية نشوء الفقه الإسلامي ومكان ظهوره وزمانه حقل البحوث الإسلامية منذ ما يزيد على قرن من الزمان؛ انطلق المرء بادئ ذي بدء من تطوُّر مطَّ... رد، بدأ إبان حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأفضى في نهاية الأمر إلى المذاهب الفقهية في القرنين الثاني والثالث الهجريين (حوالي القرنين الثامن والتاسع الميلاديين).

وهذه هي وجهة النظر الإسلامية للأمر منذ العصر الوسيط، شكك في هذا التصور إغناتس غولدتسيهر (Ignaz Goldziher) في نهاية القرن التاسع عشر تقريباً، ونقضه يوسف شاخت (Joseph Schacht) بصورة نهائية في كتابة الصادر عام 1950م بعنوان "أصول الفقه المحمدي" (The Origins of Muhammadan Jurisprudence).

ومن هنا، دار الجدل حول التساؤل عن القيمة المصدرية التاريخية التي تملكها نصوص هذه الأعمال بالنسبة لمرحلة ما قبل المصادر، تحاول هذه الدراسة إثبات أنَّ تصورات شاخت في نقاطها الجوهرية لم تعد قادرة على البقاء، أو أنها بحاجة إلى التعديل بصورة كبيرة، وقبل كل شيء، أنَّه حدَّد بدايات الفقه الإسلامي متأخرة عن أوانها بما يزيد على نصف إلى ثلاثة أرباع القرن، تنتج التحفظات ضد نتائج شاخت في بعض أجزائها من عمله نفسه، إذ إنَّه يحتوي على مجموعة من المقدمات وعلى الإستنتاجات والمناهج التاريخية المشكوك فيها، ويظهر هذا في الفصل الأول الذي يشمل نبذة في تاريخ البحث، كما أنَّ الأهمية الخاصة لمصنف "عبد الرزَّاق" تكمن في حقيقة أنّه يحتوي على مصادر تعود إلى النصف الأول من القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي، فُقِدَت كأعمال مستقلة أو أنها على الأقل لم تظهر حتى اليوم، وسيكون عرض هذه المصادر المطمح الرئيس للفصل الثاني.

بالإضافة إلى ذلك تطرقت هذه الدراسة فرضية أنَّ مقدمات شاخت حول أنَّ الأسانيد في أجزائها العائدة إلى النصف الأول للقرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي، وإلى القرن الأول الهجري / السابع الميلاد بصفة عامة ذات شكل مُتَعسِّف مصبوغ بالتكلف غيرُ قابلة للبقاء بهذا التعميم؛ إذ أنَّ تاريخية النصوص النسبية والقائمة بالمرتبة الأولى على الجوانب المضمونية، والعرض المبني على هذا التأريخ لتطور الشريعة الإسلامية لا يؤديان إلى نتائج مضمونة، ويحاول الفصل الثالث من هذه الدراسة إثبات هذا الأمر؛ أما الفصل الرابع فقد خصص للكشف عن بدايات الفقه الإسلامي حيث قدمه المؤلف في تمهيد وخاتمة تلخص كل ما جاء في هذه الدراسة.