تزداد في وقتنا الراهن الإشكالات الثقافية التي تواجهها المنظومة الإسلامية في كافة مستوياتها، ولا مبال... غة في القول إن وتيرتها تتزايد بشكل يومي، وذلك يرجع إلى واقع أن مساحة الاشتغال الفكري عند بني البشر تتسع بشكل كبير مع كل طارئٍ علمي أو سياسي أو أمني أو اقتصادي يواجهه هؤلاء، فأصبحت القضايا المستحدثة تفرض على الباحثين والمفكرين البحث عن إجابات لكثير من الأسئلة التي لم تكن تشغل بال أسلافهم في عصور سابقة.

وإن من بين المسائل التي تطرق باب البحث العلمي الجاد اليوم مسألة الحقوق، وهي مسألة قديمة يعود أصل الكلام فيها إلى بدايات الوعي البشري، إلا أنها مع تعاقب الأزمان أصبحت حقلًا فكريًا واسع النطاق، يختزن البحث فيه في طياته كثيرًا من التأسيسات والكبريات التي وردت وتراكمت من حقول معرفية مختلفة، كالفلسفة وعلم الأخلاق وعلوم السياسة وغيرها، لتشكل بجملتها مصدرًا معياريًا ينبغي له أن يحدد الأطر التشريعية لما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان.

يأتي هذا الكتاب كمحاولة قراءةٍ لمسألة الحقوق المطروحة في سياسات الدول والأنظمة الوضعية على أرضية تعاليم القرآن الكريم، متناولًا البحث المفهومي من جهة، وذلك عبر استعراض المفاهيم السائدة لأهم مقولات هذا الحقل والمبادئ التي قامت عليها منظومة الحقوق في الأنظمة الوضعية ومقاربتها على أرضية المفاهيم القرآنية وإعادة تكوين فهم مختلف لها، والبحث المصداقي العملي من جهة ثانية، وذلك عبر قراءة جملةٍ من القوانين والتشريعات الجزئية التي أرستها تلك التقنينات لجهة النتائج التاريخية التي ترتبت وتترتب عليها، ومحاكمتها على أرضية التشريعات الإسلامية المستفادة من القرآن الكريم والروايات، في محاولة استعراض حيادي لما ينبغي أن يكون عليه واقع الحال في هذه المسألة.