-
/ عربي / USD
"اعلم أن السالك إلى الله لمّا خرق بسيره وسلوكه الحُجُب ورفع برياضاته ومجاهداته الموانع وزكّى نفسه وصفّى قلبه، يليق بأن ينعكس في مرآة قلبه الصافي نور كمال محبوب الأزل وآلائه ويظهر في وجوده الفاني أوصاف جماله وجلاله، فيشاهد في ضوء ذلك النور بقدر استعداده وقابليّته حقائق عالم الوجود، ويطّلع بمقدار لياقته على أسرار نظام كلّ موجود، ثم بعد ذلك – خلافًا لزعم بعض المثقّفين غير المتدرّبين في العلوم والمعارف – يمكن له أن يبيّن حاصل شهوده ويشرحه للآخرين، وذلك كما قال رسول الله (ص): ""ما أخلص عبدٌ لله عزّ وجلّ أربعين صباحًا إلّا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه"".
لكنّ الأمر الذي لا يمكن إنكاره أن تبيين حاصل شهود العارف في أوائل الأمر كان ساذجًا بسيطًا غير ناضجٍ، فقليلًا قليلًا بدأ بالنضج والكمال، إلى أن طلع في سماء الرياضة والمجاهدة والمعرفة نجم الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في القرن السابع من الهجرة النبوية، فعندئذٍ اجتلب ذلك التبيين ببركة رياضاته العلمية والعملية صورةً فنيةً وعلمية. ثم بعد ذلك وصل الدور إلى المتربّين في مدرسته والتلامذة في مشربه، خصوصًا تلميذه الخاصّ وربيبه صدر الدين القونوي، فبلغ بجهدهم إلى كمال أوجه واستقام وتسمّى بالعرفان النظري.
وفي ضمن هذه الحركة التكاملية صُنّف ودُوِّن بيد أهل المعرفة كثيرٌ من الكتب والرسائل تبحث عن المسائل العرفانية وتفيد طالبي المعارف الذوقية والمواجيد السلوكية. لكن الكتب الفنية التي وقعت موردًا للتدريس والتدارس في الحوزات العرفانية هي ثلاثة كتب، أعني: التمهيد في شرح قواعد التوحيد، ومطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم، ومصباح الأنس بين المعقول والمشهود في شرح مفتاح غيب الجمع والوجود. وبين هذه الكتب الثلاثة كان لكتاب التمهيد في شرح قواعد التوحيد – الذي اشتهر في زماننا على سبيل الاختصار بـتمهيد القواعد – شأنًا من الشأن، وذلك لأجل أمرين: الأول هو اختصاره وقلّة حجمه مع اشتماله على أهم ما ينبغي أن يُبحث عنه في العرفان النظري، والثاني هو أسلوبه المتين في طرح المباحث ومنهجه القويم في عرض المطالب، فلأجل ما ذُكر جُعل هذا الكتاب أول كتابٍ يدرس في فن العرفان النظري.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد