إن الحجاز كلمة لها وقع خاص عند المسلمين، فهي محط أنظارهم ومهدى أفئدتهم إذ فيها مقدساتهم، ومنها انطلقت الدعوة بالعقيدة حتى وصلت إليهم... فيها عاش نبيهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وصدع بما أمر، وكانت أرضها مسرح هجرته، وميدان غزواته وتنقلاته و... لهذا كله تتلهف قلوب المسلمين لمعرفة هذه البقاع الطاهرة وبخاصة أنهم يدرسون السيرة وتاريخ صدر الإسلام ويحبون أن يتعرفوا على ميدان العمليات التي دارت رحاها بين جند الله وأعدائه لتكون الصورة واضحة في ذهنهم، ولكن هذا الميدان لا يرونه ممثلاً إلا على مصورات مصغرة لا تفي بالغرض، ولا توضح الصورة ولا تثبت في أذهانهم إلا الزمن الضئيل لأنها مشتتة بينما تحتاج الدراسة إلى صورة واضحة يتتبع فيها القارئ الأحداث خطوة خطوة، يعيش مع الحركة، ويتفاعل مع الجوّ الذي يراه ماثلاً في ذهنه أثناء قراءة كل جملة.
ولذا حرص "محمود شاكر" على توضيح ميدان أحداث تاريخ صدر الإسلام وبخاصة السيرة من هذا الكتاب الذي قسم موضوعاته إلى ثلاثة أبواب: تكلم في الباب الأول عن جغرافية المنطقة فتحدث عن التضاريس والمناخ والمياه والثروات من النباتات الطبيعية والحيوانات والمزروعات والمعادن، وأخيراً من السكان وكل ذلك باختصار واضح يعطي الصورة، ولا يدخل في تفصيلات الاختصاص. وتكلم في الباب الثاني عن التاريخ فذكر القبائل التي كانت في صدر الإسلام وقبله ثم استعرض تاريخ المنطقة في كل عهد من العهود التاريخية المعروفة. أما الباب الثالث فكان عن الحياة الاجتماعية، وفيه بحث في القبائل العربية في العصر الجاهلي، وبعض العادات والتقاليد، ثم ألمح باختصار عن مشكلات الحجاز. وقد حرص أن يوضح كل ناحية بالمصدرات الهامة الضرورية لتفسير بعض الشروحات.