من المعروف أن ظاهرة الإعلام والإتصال هي نشاط إنساني واسع المجال يرتبط بمختلف أوجه الحياة الخاصة للأفراد والمجتمعات، وهي حاضرة في كل النشاطات الإنسانية وبالتالي علاقتها وثيقة بكل العلوم التي تبحث هذه النشاطات.

ولعل إرتباط ظاهرة الإعلام والإتصال بالنشاطات المتنوعة للإنسان والمجتمع جعلها موضع العديد من الإهتمامات العلمية أي موزعة على أكثر من تخصص علمي. هذا الأمر جعل أبحاث الإعلام والإتصال تواجه صعوبات كبيرة وتمثلت في الغموض المنهجي والنظري، ما أدى إلى عدم إمكانية تحديد مفهوم علمي لها على نحو يسمح للباحثين في تحديد موضوعاتها بصورة مستقلة وإيجاد المناهج والأدوات الخاصة بها.

وبالرغم من الصعوبات المشار إليها، فإن الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام والإتصال داخل المجتمعات في كل المجالات الحياتية منذ ظهورها حتى الآن، أدى إلى ميلاد وعي متزايد بمشكلات وقضايا الرسائل التي تبثها وسائل الإعلام، وتجلى هذا الوعي في شكل إهتمام سلطات الدول بوسائل الإتصال الجماهيري بفعل الدور الكبير الذي تؤديه خاصة على مستوى تكوين الرأي العام.

وهنا ظهرت الحاجة لجعل أبحاث الإعلام والإتصال ذات حدود بحثية بحيث لا تتداخل مع العلوم الأخرى، إلا أن تعقد الظاهرة الإتصالية أظهر الضرورة الملحة لميلاد أطر معرفية تقوم على أدوات علمية جديدة تجعل من أبحاث علوم الإعلام والإتصال حقلاً معرفياً مستقلاً، وقد تعددت النقاشات في هذا المسار قصد بلورة ما يعرف بابستمولوجيا الإعلام والإتصال، على إعتبار أن الإبستمولوجيا إنطلاقاً من فكر باشلار، هي تلك الثورة العلمية التي تؤطر للعلوم وفق مناهج علمية صحيحة ومستقلة.