مع ما بدا سقوطاً لبعض النظم العربية نتيجة الحراكات الشبعية اتي أُطلق عليها "الربيع العربي" نهاية عام 2010 ومطلع عام 2011، ذهب أغلب المتخصصين في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة إلى اعتبار أنها النهايات لأدبيات وطروحات "تيار الجهاد العالمي" الذي كان يؤمن بالعنف المسلح سبيلاً...
مع ما بدا سقوطاً لبعض النظم العربية نتيجة الحراكات الشبعية اتي أُطلق عليها "الربيع العربي" نهاية عام 2010 ومطلع عام 2011، ذهب أغلب المتخصصين في شؤون الجماعات الإسلامية المسلحة إلى اعتبار أنها النهايات لأدبيات وطروحات "تيار الجهاد العالمي" الذي كان يؤمن بالعنف المسلح سبيلاً وحيداً لتغيير النظم الفاسدة. إلا أن الذهول خيّم على الجميع بعد الصعود المدوي لتيارات الجهاد العالمي عقب تعثّر الثورات في عدد من امناطق مثل سورية واليمن وليبيا ومصر، بل وجدنا أن أغلب المناطق التي تنشط فيها التنظيمات الجهادية هي تلك التي طاولتها الثورات العربية بشكل أو بآخر، وهو ما يعيد طرح إشكالية ولادة التيارات الجهادية وتناميها. وكانت الإشكالية الثانية هي بروز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بقوة في العراق، بعد أن ظنّ كثيرون أنه تلاشى تحت ضربات القوات الأميركية والعراقية، ومن ثم تمدده إلى سورية وتصدره المشهد في كل من العراق وسورية. وتزداد الحيرة في الأسباب التي تدفع تنظيم الدولة إلى الانشقاق عن تنظيم القاعدة الأم وانتهاجه سبيلاً أكثر راديكالية في الوقت الذي تؤكد فيه الوثائق التي وقعت بيد القوات الأميركية أثناء اغتيالها لمؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن أنه كان بصدد كتابة مراجعات لأدبيات القاعدة على غرار تلك التي أجراها عدد من التيارات الجهادية في مصر. ثم الصراع الذي نشب بين فرع تنظيم القاعدة في سورية "جبهة النصرة" وتنظيم الدولة (داعش)، وصولاً إلى إعلان أمير تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي قيام الخلافة بعد انقطاع دام قرناً ونيفاً.
وهي جملة تطورات حصلت، إن كانت على صعيد التطور الفكري أو الانشطار التنظيمي أو التمدد العسكري أو الاقتتال الداخلي، وصولاً إلى محاولات جادة لتغيير خريطة سايكس-بيكو التي استقرت عليها النظم منذ الحقبة الاستعمارية مع إعلان البغدادي الخلافة وإزالة بيكو التي استقرت عليها النظم منذ الحقبة الاستعمارية مع إعلان البغدادي الخلافة وإزالة الحدود بين سورية والعراق والتهديدات التي بدأت تطاول الأردن ولبنان.
والبحث في أساسه يستهدف ظاهرة التطور الفكري والسياسي والعسكري لتيارات الجهاد العالمي في الشرق الأوسط وعمليات التوالد التي استقرت في شكل "تنظيم الدولة" في العراق. وقد قسمنا البحث إلى أبواب وفصول تبدأ بالظروف السياسية والاجتماعية التي نشأت فيها حركات الإسلام السياسي والأدبيات الفكرية التي استندت إليها في طروحاتها بما جعلها تتمايز عن حركات الإصلاح التي شهدها العالم العربي أو الطروحات الدينية التي عليها دور الفتوى في العالم العربي. ثم المراحل الفكرية والتجارب التي مرّ بها تنظيم القاعدة وبعض فروعه في المنطقة، وصولاً إلى الاستراتيجيات التي اعتمدها في الوصول إلى دولة الخلافة. وقد خصصنا جل الدراسة للحديث عن تنظيم القاعدة الأم وفرعه العراقي تنظيم الدولة الإسلامية لأنه الفرع الوحيد الذي تفوق على أصله، وبات الوريث الفعلي لكل أدبيات التنظيم الأم وطروحاته.