-
/ عربي / USD
لقد أسس ملا صدرا طريقة كانت الأرجح بين جميع المشارب والمآرب الفلسفية وذلك بفضل غوره في الكتب الفلسفية المشائية والإشراقية وتدربه على علوم أهل المكاشفة وفهمه للمأثورات التي وردت في الشريعة المحمدية الحقة ودراسته للأفكار الأفلاطونية الجديدة والقديمة وإطلاعه الكافي على مقومات جميع المشارب . وقد تشبّعت كتبه التحقيقية بأفكار الشيخ الرئيس العميقة وسائر أتباع المشائية والآراء الأفلاطونية الجديدة وتحقيقات المتصرفة وآراء وأفكار حكماء الإشراق والرواق ، وجاءت سعة أفكاره وتحقيقاته بالفائدة الجمة على الجميع.
لقد اعتقد ملا صدرا بوجوب خروج المباني العقلية والقواعد النظرية بواسطة الذوق والكشف والشهود من كونها فلسفة صرفة واستلالاتها نظرياً بحتاً ، وقد ساهم ذلك في التوفيق الكامل ما بين القواعد العقلية والمباني الكشفية والحقائق الواردة في الكتاب والسُنّة.
وهو يعتقد أن العقل لا يمكن أن يبلغ درجة معينة ما لم يستنر بنور الشرع ويخوض غمار الكشف والشهود ، فالعقل ما لم يفنى في المعلوم الخارجي ويخرج طريقة السلوك والكشف والشهود على أهل الرأي والتابعين للبراهين البحتة ، على الشكل التالي :
إن حقائق العلوم والمعارف هي في عالم خارج عالم المادة وزمان يتفشى فيه الجهل والظلمة ، فمخزن ومعدن العلوم والمعارف وخاصة الحقيقية منها لها مراتبها ومقاماتها ، والعالم بعد عالم المادة أو ما يُعرف بعالم البرزخ هو من مراتب وجود الحقائق العلمية.
والمرتبة الثانية الدالة على وجود المعارف هي عالم العقول العرضية والطولية وعوالم الملائكة المجردة ، والمرتبة الأعلى للمعارف هي في مقام الأحدية ووحدانية الوجود ، والعلوم والحقائق في هاتين المرتبتين العلميتين تكون صافية وخالية من الشوائب " لصفاء العلوم وتعرّيه عن الحدود " ، فالعلم حقيقة مجردة من المادة الملموسة وبعيدة عن الإمتزاد في المادة ، والنفس عندما يتحقق لها الترفّع عن المادة تصبح متّصفة بالعلم ، وأول مرتبة للعلم والمعلوم هو مقام تجرد النفس عن المادة ، ومن هنا فإن أول مقام للعلم هو في ارتفاع النفس فوق المادة وبلوغ مقام البرزخ والتجرد البرزخي.
وقد أثبت ملا صدرا ببراهين متعددة وجود عالم فوق عالم المادة وأنزل من عالم المعنى والعقل الصرف.
إن النفس بعد ترفعها عن المادة وبلوغها عالم البرزخ تكون قد تجاوزت هذا العالم إلى عالم العقل والمعنى ، وهذه المرتبة الثانية لعالم العلم والمعلوم ، وفي جميع هذه المراتب يعتبر ملا صدرا أن عامل اتصاف النفس بالعلم والحصول على الصورة العلمية يكمن صراحة في رحيل النفس وسفرها المعنوي من عالم المادة إلى عالم البرزخ وورودها من خلال عالم البرزخ إلى عالم العقل.
بمعنى أن أساس حصول العلم ليس في تقشير نفس الحقائق عن المادة بل في تحوّل وتحرّك النفس وسيرها نحو العوالم العليا.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد