-
/ عربي / USD
تعد القصة أقدر الآثار الأدبية على تمثيل الأخلاق، وتصوير العادات، ورسم خلجات النفوس؛ كما إنها إذا شرُف غرضها، ونبُل مقصدُها، وكرمت غايتها، تهذب الطباع، وتُرقق القلوب، وتدفع الناس إلى المثل العليا: من الإيمان والواجب والحق والشرف. وقد كانت القصة- ولا تزال - ذات الشأن الأسمى في آداب الأمم قديمها وحديثها؛فقد وردت في التوراة، وجاءت في الإنجيل، وزخرت بها آيُ الذكر الحكيم. ثم هي في شعر الإغريق ومخلفات الزمان، وآثار المصريين القدماء.
والعرب في الأمم التي أخذت بنصيب من هذا الفن الجميل، وأثير عنها فيضٌ من ذلك الأدب الرفيع، بيد أن بعضاً من الباحثين المحدثين قد جحدوا نصيبهم في هذا الفن، ووصموهم بالخيال العقيم، ولكن المنصفين منهم قد هالهم هذا الجحود، ولم يرقهم ذلك النكران. فاعترفوا للعرب بالقصص التي ترجموها عن الفرس والهنود، وتزيدوا عليها في القاهرة وبغداد، وتحدثوا للناس عن قصص عنترة وذات الهمة، وجلو عليهم ألف ليلة وأخبار ابن ذي يزن.وهذه القصص، وإن كانت قد نجحت نجاحاً تاماً في تصوير العصور التي وضعت فيها، ورسمت لنا البيئة التي برزت منها، كثر منها تافه الغرض، مبهم القصد، رديء اللغة والأسلوب.
وفي قصر قصص العرب عليها جَحْدٌ للآداب العربية فعلها وإنكار عليها مفاخرها... وإلاّ فإن هناك قصصاً زخرت بها مجالس الخلفاء؛ وسواء الأمراء، وملأت الكتب التي انحدرت إلينا عن المؤلفين القدماء، وما منع الناس أن يردُوا شريعتها، أو يجنبوا أطايبها إلا ما مُنيت به هذه الكتب من اضطراب الترتيب، ورديء الطبع، وتحريف الناسخين.
وكتابنا هذا يجمع بعضاً من هذه القصص، فيألف بين ما تنافر منها واخترق، ويقابل بين كل قصة ومثلها، ويضم كل طرفة إلى شبهها.لمجتمع إلى غرض القصة، من تهذيب الطباع وترقيق النفوس. عرض شامل لحياة العرب، مدنيّتهم وحضارتهم، وعلومهم ومعارفهم، وأديانهم وعقائدهم، وذكرٌ لعوائدهم وشمائلهم، وما طبعوا عليه من كريم الغرائز، وحدة الذكاء، ثم ما كان للمرأة عندهم من سامي المكانة وعظيم المنزلة، وما أُثيرَ عنهم من أخبار صوروا بها حبهم العفيف، وغزلهم الرقيق، وعشقهم الشريف، ولم يخلٌ كتابنا هذا مما كان لهم من محاورات ومساجلات ومطايبات ومناقلات. وما نقله بالرواة من أحوال العامة والملوك، وطرف القضاة والولاة، وأخبار الأيام والحروب، وغير هذا مما سيعرض مفصلاً في أبواب الكتاب. هذا ولم يقف مؤلفوا هذا الكتاب في اختيار قصص كتابهم على تعريف خاص، أو حدّ موسوم، ففيما اختاروه ذكروه من طريف الأخبار وشائق الأحداث، وما وصفوه مصوّرين به المجالس والأشخاص، وما صنعوه على ألسنة الطيور والحيوان، وما تخيّلوه من أخبار الشياطين والجان...
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد