لم يرمِ مشروع هذا البحث منذ تصميمه إلى مجرّد تغطية تاريخ الترجمة والتّلقّي العربي لفرانتس كافكا (١٨٨٣ -١٩٢٤)، بل كان الهدف منه محاولة لرصد وفَهْم وتحليل مسارات وتطوّرات تتعلّق بالاشتباك العربيّ مع نتاج هذا الأديب وخصوصية موقعه؛ نظرًا لأنه أحد العلامات الأدبية البارزة...
لم يرمِ مشروع هذا البحث منذ تصميمه إلى مجرّد تغطية تاريخ الترجمة والتّلقّي العربي لفرانتس كافكا (١٨٨٣ -١٩٢٤)، بل كان الهدف منه محاولة لرصد وفَهْم وتحليل مسارات وتطوّرات تتعلّق بالاشتباك العربيّ مع نتاج هذا الأديب وخصوصية موقعه؛ نظرًا لأنه أحد العلامات الأدبية البارزة للحداثة الأوروبية، لا سيّما كونه ينتمي إلى سلسلة من المفكّرين والكُتَّاب الألمان ذوي الخلفية اليهودية الذين كان لهم إسهامات نَقْدِيَّة، فلسفية أو أدبية مُمَيّزَة. وعلى هذه الخلفية تولَّدَت خلال هذه الدراسة مجموعة من السيناريوهات والترتيبات المتشابكة التي تعكس إشكاليات النقل والترجمة، وفي كثر من الأحيان عَدَم القابلية للترجمة، وسوء النقل أو سوء القراءة أو سوء التأويل، أو ما يمكن وصفه بعملية إعادة توطين النصوص في سياقات ومشروعات متباينة، لتُفجّر من جديد معاني مُغايرة، ولتعكس خصوصية سياقات النقل والتّلقّي والإدماج ومحاولات الاستحواذ على النّصّ الأدبي وامتلاكه أو توظيفه. كما أن هذه الممارسات كثيرًا ما تتعلّق بعمليات صناعة أو إعادة خَلْق الأيقونة. والمقصود هنا كيفية التعامل مع شخصية كافكا وعملية خَلْق أيقونة مستقلّة له، تتحكّم فيها آليات خاصّة، تعمل على إضفاء القدسية عليها أو أسطَرَتِها، مرورًا بإعادة إنتاجها وتوظيفها بأشكال مختلفة، وفي سياقات مختلفة، ووصولاً إلى نَبذها وشيطنتها والمطالبة بحرقها وحرق كل ما يتّصل بها من نصوص.