ماريّا قلبتْ حياتي رأسًا على عقب. أصبحتْ مركزًا لوجودي، يبدأ عندها كلّ شيء، وينتهي أيضًا. حتّى إحساسي بالزمن، لم يعد سوى متواليات من العَدّ التنازلي، أنتظر فيها أيّام الآحاد التي مثّلت المواعيد الثابتة المقدّسة للقاءاتنا الأسبوعية.أنتظرها قريبًا من «بيت المُحافظ»، في...
ماريّا قلبتْ حياتي رأسًا على عقب. أصبحتْ مركزًا لوجودي، يبدأ عندها كلّ شيء، وينتهي أيضًا. حتّى إحساسي بالزمن، لم يعد سوى متواليات من العَدّ التنازلي، أنتظر فيها أيّام الآحاد التي مثّلت المواعيد الثابتة المقدّسة للقاءاتنا الأسبوعية.
أنتظرها قريبًا من «بيت المُحافظ»، في الطريق العلوي المواجه للمدرسة اليونانية، فننطلق إلى «نادي التجديف» على الضّفّة الأخرى في طلخا، أو «كازينو النيل»، وأحيانًا نذهب إلى «راندوبلو» الذي يقع في الشارع الصغير الذي يفصل بين شارع البحر و "ميدان الطّميهي"، فكون ماريا يونانية، ولا أهل لها في المنصورة، كان يوفّر فرصة تحرُّرنا من قيود كثيرة. وأحيانًا كنّا نسير ببطء على امتداد الكورنيش حتّى نصبح بمحاذاة حديقة «الهابي لاند» على المرتفع المسفلت العلوي المخصّص للمشاة، ومنه نعبر إلى طلخا مرورًا على كوبري القطار، نختار أهدأ شوارع طلخا المظلّلة بالأشجار، لنواصل حواراتنا الهامسة.
حكيتُ لها عن كلّ شيء: نادية التي كنتُ أعرف قدرتها على الإحساس بكلّ ما يمرّ في روحي من شعورٍ وخبراتٍ نَفْسية، وكانت ترفع حاجبَيْها الشقراوَيْن دهشة، وأخبرتُها عن عماد وموته الدرامي الذي ترك ثقبًا أسود في روحي، لا يُرجى شفاؤه، وعن كريستين حبيبة الطفولة، والراهبة الحالية التي لا أعرف عنها شيئًا.