يجب الكَفّ عن طَرْح المسألة على الطريقة «مثقّفاتية» بدلاً من طَرْحها على أسس تاريخية - سياسية. لا أحد يجادل في أن «البصيرة» الفكرية لظروف الصراع أمرٌ، لا غنى عنه. على أن هذه البصيرة تصير قيمة سياسية، بمقدار ما تصير شَغَفَاً منتشراً، وبمقدار ما تُشكّل ركيزة لإرادة صلبة.في...
يجب الكَفّ عن طَرْح المسألة على الطريقة «مثقّفاتية» بدلاً من طَرْحها على أسس تاريخية - سياسية. لا أحد يجادل في أن «البصيرة» الفكرية لظروف الصراع أمرٌ، لا غنى عنه. على أن هذه البصيرة تصير قيمة سياسية، بمقدار ما تصير شَغَفَاً منتشراً، وبمقدار ما تُشكّل ركيزة لإرادة صلبة. في العديد من المؤلّفات الأخيرة عن النهضة القومية «تكشّف» وجودُ أفراد رأوا كل شيء بوضوح (...) على أن هذه «الاكتشافات» تدمّر ذاتها بذاتها، تحديداً؛ لأنها «اكتشافات»؛ إذ إنها تبيّن أن ما كان موجوداً لا يعدو كونه تأمّلات شخصية، تتخذ اليوم شكل «نظرة استرجاعية». والواقع أنها - التأمّلات - لم تتصل مرّة بالواقع الفعلي، ولم تتحوّل إلى وعي قومي- شعبي عامّ، وعملاني. مَن مثّل «القوى الذاتية» الحقيقية في النهضة القومية، حزب العمل؟ أم المعتدلون؟ الجواب الذي لا يرقى إليه شكّ هو: المعتدلون، تحديداً؛ لأنهم كانوا مدركين - أيضاً - لدور حزب العمل، وبفضل هذا الإدراك، كانت «ذاتيتهم» من نوعية أرقى، وأكثر حسماً من نوعية الحزب. تنطوي عبارة فكتور عمانوئيل الفظّة «إننا نضع حزب العمل في جيبنا»، الأقرب إلى عبارة، يتفوّه فيها رقيب في الجيش، على مقدار من الحسّ التاريخي- السياسي، يفوق بكثير كل أقوال ماتزيني وأفعاله.