المدينةُ بعيدة. يبلغُني منها، أحياناً، في هدأةِ الغروب، صوتُ الأجراس. ولكنَّني لم أعد أسمعُ تلك الأجراس في داخلي الآن، وإنَّما من خارجٍ فحسب،- أسمعها ترنُّ حُبَّاً بذاتها، وربَّما كانت ترتعشُ محبورةً داخلَ تجاويفها المُرِنَّة، في سماءٍ زرقاءَ آسِرَةٍ ملأى بشمسٍ ساخنة...
المدينةُ بعيدة. يبلغُني منها، أحياناً، في هدأةِ الغروب، صوتُ الأجراس. ولكنَّني لم أعد أسمعُ تلك الأجراس في داخلي الآن، وإنَّما من خارجٍ فحسب،- أسمعها ترنُّ حُبَّاً بذاتها، وربَّما كانت ترتعشُ محبورةً داخلَ تجاويفها المُرِنَّة، في سماءٍ زرقاءَ آسِرَةٍ ملأى بشمسٍ ساخنة وسطَ الصَّيحاتِ الحادَّةِ للسُّنونوات أو في قلب الرِّيح الغماميَّة، ثقيلةً جدَّاً، عاليةً جدَّاً، في أبراجها الأثيريَّة. أحدٌ ما يفكِّرُ في الموتِ؟ أحدٌ ما يصلِّي؟ لعلَّ هنالك مَنْ ما يزال في حاجةٍ إلى هذا، ولعلَّها تصنعُ لأجل ذلك إرناناتِها. أنا لم أعد في حاجةٍ إلى هذا، لأنَّني في كلِّ هُنيهةٍ أموت، وأولَدُ من جديدٍ ومن دون ذكريات: حيَّاً ومكتملاً، لا داخلَ كينونتي بعد الآن، ولكنْ، في كلِّ شيءٍ خارجَها.