يُعدّ (التنوّع) ميزة تتّصف بها مجتمعات القرن الحادي والعشرين قبل أي ميزة أخرى، فمجتمعاتنا المعاصرة يميّزها التنوّع الإثني، والديني، والعِرْقي، والأيديولوجي، والأخلاقي، والجنساني؛ وتُعدّ التعدّدية الثقافية، والأخلاقية، والأيديولوجية حقيقة من حقائق حياتنا؛ وبينما ينظر...
يُعدّ (التنوّع) ميزة تتّصف بها مجتمعات القرن الحادي والعشرين قبل أي ميزة أخرى، فمجتمعاتنا المعاصرة يميّزها التنوّع الإثني، والديني، والعِرْقي، والأيديولوجي، والأخلاقي، والجنساني؛ وتُعدّ التعدّدية الثقافية، والأخلاقية، والأيديولوجية حقيقة من حقائق حياتنا؛ وبينما ينظر البعض إلى هذه الظاهرة كمصدر للغنى، فيرحّبون بها، ينظر البعض الآخر إليها كمصدر من مصادر التهديد، فلا يبقى أمامهم إلا خياران: فإما أن يتعلّموا كيفية العيش معها، وإما أن يبحثوا عن سبل لقَمْعها. سيقود الخيار الثاني إلى النزاع الاجتماعي ويؤججه، أما الخيار الأول فسيحسن ذاك النزاع، وذلك إن لم يؤدِّ إلى تجنّبه تماماً، وهو ما يسمى خيار «التسامح». هذا الكتاب هو دفاع رفيع عن التسامح كعلاج للنزاع الاجتماعي الناتج عن الاختلاف. حيث يخوض في أربعة أسباب بارزة للتسامح، وهي الشكوكية، والحصافة، والاستقلالية، والضمير، من خلال أعمال أربع ليبراليين رواد وهم: ميشيل دي مونتين، وجون لوك، وجون ستيوارت ميل، وبيير بايل.
من الكتاب: ... إن البشر ليسوا كالخراف، وحتى الخراف ليست متشابهة على نحو يستعصي على التمييز؛ ولا يمكن للمرء أن يحصل على معطف أو على زوج من الأحذية إلا إذا كانت مصنوعة وفقاً لمقاسه، أو إذا استطاع أن يختار من بين معروضات أحد المتاجر؛ وهل العثور على حياة مناسبة للمرء أسهل من العثور على معطف ملائم له؟! وهل يتشابه البشر في أوضاعهم الجسدية والروحية أكثر ممّا تشابه أشكال أقدامهم؟! لكن الأشخاص المختلفين يتطلّبون ظروفاً مختلفة أيضاً لتطوّرهم الروحي، ولا يمكن لأي منهم أن يعيش بشكل سليم في الجوّ الأخلاقي نفسه مثلما أن النباتات المتنوّعة لا يمكنها أن تعيش في المناخ نفسه، والبيئة المادّية نفسها.