-
/ عربي / USD
المفكّر العربيّ طه حسين، والمترجم الفرنسي لمقدّمة ابن خلدون دي سلان، يشكوان من غموض كتابات ابن خلدون وتناقضاتها. وال... واقع إن ابن خلدون بعيدٌ عن تقديرهم، فكتاباته واضحةٌ جدًّا مقارنةً بالكُتّاب الآخرين في عصره وثقافته. ويمكن أن يُعزى غموض ابن خلدون الذي يشكو منه دي سلان إلى أن الأخير درس ابن خلدون من زاوية ”سكونيّة“، بينما كان ابن خلدون ينظر إلى الظواهر الاجتماعيّة من زاوية ”متحرّكة“.
ويرى ابن خلدون أن الشيء نفسه يمكن أن يُنظر إليه على أنه جيّدٌ وسيّءٌ، مفيدٌ وضارّ. وهذا رأيٌ متناقضٌ بشكل صادم لمَن ينظرون إلى الأمور من خلال منطق أرسطو.
لقد عاش ابن خلدون في ثقافة تختلف عن ثقافتنا تمامًا، والحقّ أنه هاجم معظم النزعات الفكريّة وعُقد المواقف في عصره. ولكن على الرغم من ذلك لن نستطيع أن نفهم وجهة نظره ما لم ندرس تلك النزعات والقِيَم التي هاجمها أولاً. ولكي نفهم المعنى الحقيقيّ لنظريّة ابن خلدون، من الضروريّ أن نضع أنفسنا في مكانه وننظر إلى العالم من خلال عينيه.
إن أحد الأهداف الرئيسة لهذه الدراسة دحض هذه الفكرة التي أرى أنها باطلةٌ من أيّ أساس علميّ. فابن خلدون، مثل أيّ مفكّر بالضبط، هو ابن عصره. وعلى الرغم من مظهر الإبداع العالي في نظريّته الاجتماعيّة، إلاّ أنها نتاجٌ نهائيّ لسلسلة طويلة من الحركات الفكريّة الإسلاميّة. وليس من قبيل المبالغة أن نقول بأن نظريّته كانت نوعًا من التوليف بين الأيديولوجيّات المتضاربة والمعتقدات الطائفيّة في الإسلام. وليس من الغريب أن نجد نظريّةً كهذه تظهر في المجتمع الإسلاميّ، لكن من الغريب إلى حدٍّ ما أن نجدها تظهر في وقت متأخّر جدًّا.
تتناول الأطروحة الحاليّة أربعة مواضيع تشكّل أهم المحاور التي تدور حولها نظريّة ابن خلدون. وسنقدّم هذه المواضيع من زاوية الثنائيّات ـ نقطة إزاء أخرى. وسنستعمل مفهوم فيبر ”النمط المثاليّ“ بكثافة عند مناقشة تلك الثنائيّات.
قيّم هذا الكتاب
هل استخدمت هذا المنتج من قبل؟
لا توجد أي مراجعات بعد