"يتطلب البحث عن المادة التي قد يكون الإسلام قد تبناها، خلال دخوله إلى العالم الأوسع، من عالم الأفكار القائم آنذاك، فهماً معمّقاً للإسلام ولما عصره من أفكار، مع عدم إهمالنا للتقوى التي تمكنت من الإنطلاق من الإسلام الأولي ذاته، لا نستطيع هنا بحث مشكلة الشيعة كظاهرة دينية تاريخية إلا سطحياً فقط.
لقد كُتب الكثير عن تلك المرحلة وما رافقها من أحداث، أما أبرز ما كان في صلبها فهو موقف بعض رجال الدين والسياسيين الشيعة من الحملة المغولية.
وإن أهم ما تطلبه دراسة تلك الحوادث هو الموضوعية البعيدة عن المواقف المذهبية والدينية المسبقة في بناء البحث، الأمر الذي لم أجده لدى الكتاب المسلمين، بل إن الإنقسام الكبير في المواقف المرتبطة بالموروث الديني ينعكس على موضوعية العمل وجدت كتاب المستشرق الألماني البروفسير "شتروتمان" المعنون "الشيعة الإثنا عشرية في العصر المغولي، شخصيتان من ذلك الزمان، نصير الدين الطوسي ورضي الدين ابن طاووس"، أفضل ما عثرت عليه في هذا الموضوع، مع بعض التحفظ.
شكلت واقعة سقوط الدولة العباسية وإحتلال بغداد، منعطفاً كبيراً في مسيرة تاريخ المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام والعراق بشكل خاص وأيضاً نقاط خلاف كبيرة بين القطبين، الشيعة والسُّنة، ذلك أن العديد من الكتاب السُنَّة يقولون بأن الشيعة هم من جلب هذا البلاء على بغداد، ولولا نصير الدين الطوسي وابن العلقمي ما كانت بغداد لتسقط، يكتب المؤلفون الشيعة أن دور نصير الدين الطوسي كان عظيماً، إذ حفظ به بيضة الإسلام من الدمار، وهذا التناقض ما بين السُّنة والشيعة يدفعنا للتساؤل عن دقة وصدقية أقوال الطرفين، أما الجواب فسوف يتضح في طيّات هذا الكتاب.
إن قرار إجتياح بغداد كان قراراً مغولياً مركزياً قد اتخذ في الصين، يقول المؤلف في هذا الكتاب، إنّ نصير الدين ليس مجرد منارة للعلم والمعرفة أخذها معه الغازي المدمر لسبب مزاجي أو لآخر، بل يبدو أنه في كثير من الأحيان لتلك الروح الشريرة التي قامت بدفع هولاكو للتعجيل في غزو بغداد، لا شك في أن إحتلال بغداد كان مقرراً ضمن الحملة المغولية، وقد تم أيضاً بأمر صريح من الخان الأكبر منغو.