يشير المترجمان في مقدمة الكتاب إلى أنه بعد عقود طويلة من الحديث عن ”الاستثناء العربي“، وعن رسوخ ”السلطوية العربيـة“، والتنظيـرات التـي انتقلـت مـن حقـول السياسـة وعلـم الاجتمـاع لترتكّـز علـى ”ثقافة الاسـتبداد“ الراسـخة في المنطقة، كان مظهر ”المسـتبدين“ وهم يفرون...
يشير المترجمان في مقدمة الكتاب إلى أنه بعد عقود طويلة من الحديث عن ”الاستثناء العربي“، وعن رسوخ ”السلطوية العربيـة“، والتنظيـرات التـي انتقلـت مـن حقـول السياسـة وعلـم الاجتمـاع لترتكّـز علـى ”ثقافة الاسـتبداد“ الراسـخة في المنطقة، كان مظهر ”المسـتبدين“ وهم يفرون من بلادهـم خلسـة، أو يتنحـون بـلا كلمـة وداع، أو يعثـر عليهـم في المخابـئ ويتـم قتلهـم عـلـى أيـدي مـن كانـوا محكوميهـم، قـادراً عـلـى هـزّ الكثيـر مـن القناعـات التـي صنعتها فكـرة الاسـتثناء العربي.
لم يرَ دباشي في الربيـع العربي مجـرد صراع بـن حـكام سـيئين ومحكومـيـن غاضبين، بل شيئاً أكبر من ذلك، إنـه صيـرورة تاريخيـة تتجه إلى تحرير شعوب المنطقة من سطوة القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية التي قيدتها في أطر الهيمنة التي قامت عليها مرحلتا الاستعمار وما بعد الاستعمار، بالنسـبة لـه، فـإن الربيـع العربي هـو خـروج مـن حقبـة مـا بعـد الاسـتعمار التـي قامـت عـلـى ثنائيـة اسـتمرار الاسـتعمار بأشـكال أخـرى، وصعـود أيديولوجيـات مناوئـة للاسـتعمار لكنهـا في الحقيقـة تقـوم عـلـى إعـادة إنتاجـه، كـمـا هـو الحـال مـع الاشـتـراكية العـالم ثالثيـة، أو القوميـة العربيـة، أو الإسـلام السـياسي. لم تكـن تلـك الإيديولوجيات انعتاقية كما تدعي، بل جزء من المنظومة الثقافية والأيديولوجية العامة التي صنعتها فكرة "الغرب"، تلك الفكرة التي بمحض وجودها، تعبّر عن نظام للهيمنة أصبحت فيه الشعوب غير الغربية مجرد صورة لما يراه الغرب في نفسه تعبيراً عن دونية ما هو غير غربي، بالتالي تفوق "الغربي".