الكتاب الذي بين أيدينا "عيون الأخبار" لابن قتيبة، هو كما قال مؤلفه بحق: "لقاح عقول العلماء ونتاج أفكار الحكماء، والمتخيّر في كلام البلغاء، وفِطن الشعراء، وسير الملوك وآثار السلف".
يتبين من عناوين الكتب التي يضمّها الكتاب شيء من الأبحاث التي يدور عليها، فهو يبحث في السلطات وسياسته، والحروب ومدار أخرها، والسؤدد والطبائع، والأخلاق الحميدة منها والمذمومة، والعلم والبيان، والزهد والإخوان، والحوائج، والطعام والشراب وسياسة الأبدان بما يصلحها منه، والنساء وصفاتهن،وغير ذلك.

وفي كتاب السلطان - مثلاً - يذكر المؤلف أخباراً عن اختيار السلطان لأهل عمله وحسن السياسة، وإقامة المملكة ويسط العدالة، وردّ المظالم وصلاح الرعية، وقوة السلطان وعزمه، والتعرض له والردّ عليه ومخاطبته، وعلمه وغضبه... إلخ.

ويذكر مع هذه الأمور أخباراً تاريخية فيستشهد مثلاً بقصص عمر بن الخطاب ومعاوية ومروان وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. وكذلك شأنه في الكتب التي يضمها "عيون الأخبار" فهو ينثر فيها فوائد تاريخية ثمينة.كما وإن الكتاب مجموعة أدبية قيّمة، ففيه منتخبات من الأشعار لعدد كبير من الشعراء. ويعد كتاب "عيون الأخبار" مصدراً من المصادر الأولية التي يرجع إليها الباحثون في تاريخ العرب السياسي والاجتماعي والأدبي.
وقد امتاز عن كثير من الكتب القديمة بتبويبه وحسن ترتيبه واختياره، كما وأنه يذكر لنا بعض روايات الأقدمين كالأعصمي والعتبي والشيباني وغيرهم ممن لم يترك لنا الزمن من آثارهم التاريخية والأدبية شيئاً كثيراً مجموعاً في كتب مستقلة.

ولذلك فذكر الكتاب لرواياتهم يفيد من يودّ الرجوع إليها، أو من يرغب في مقابلة بعضها في المصادر المختلفة. كما يذكر الكتاب كثيراً من الفوائد التاريخية والأدبية مما يتعلق بالسياسة والاجتماع والأدب، وكثيراً من الفوائد عن حالة العرب الاجتماعية، عن سماعهم للغناء ومجالسهم حوله وطرق معاشهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم، وما إلى ذلك من الأمور.