هذه دراسة مختصرة في الفلسفة الحديثة، لا يقصد منها استغناء الطلاب عن المراجع المطولة في هذا المجال، أو الاكتفاء بها عن سماع المحاضرات في هذه المادة، وإنما قصدنا بها جمع شمل بعض الموضوعات المقررة في كلمات مركزة، آملين أن يكون ذلك ذافعًا لطلابنا إلى مزيد من الاطلاع على تفصيل هذه الموضوعات في الكتب الخاصة بتاريخ الفلسفة الحديثة، وكذلك في مؤلفات الفلاسفة المعنيين المترجمة إلى اللغة العربية ولعله من نافلة القول أن فهم التيارات الفكرية والأيديولوجيات المنتشرة في العالم شرقه وغربه يعتمد - في المقام الأول - على فهم الأفكار الفلسفية التي تشكل الأساس الذي تقوم عليه هذه التيارات وتلك الأيديولوجيات، فإذا أردنا أن نتابع التطور الفكري الذي يسود عالم اليوم، وأن نصل إلى مستوى الفهم والإدراك لما يدور حولنا، فعلينا كدارسين للفلسفة أن نتجه لدراسة جذور هذا التطور الفكري القائم، تلك الجذور الضاربة في أعماق الفكر البشري في شتى مراحله.
وليست الفلسفة أمرًا مفروضًا على الإنسان من خارجه، وإنما هي ظاهرة إنسانية ملازمة لوجود الإنسان كإنسان، وعلى ذلك فإن الإنسان حين يتفلسف فإنه يستجيب بذلك لما تمليه عليه طبيعته الإنسانية، ويحقق بذلك إنسانيته باعتباره كائنًا عاقلًا جوهره الفكر، جدير بالذكر أن هذه الطبعة تمتاز عن سابقتها بإضافة فصل جديد إليها حول "كانت والمشكلة النقدية"، وبذلك تلافينا بعض القصور الذي اشتملت عليه الطبعة الأولى، وفضلًا عن ذلك يجد القارئ بعض الإضافات في مواضع مختلفة، أردنا بها توضيح بعض الأفكار وإزالة ما قد يكون في طريقة العرض من غموض في بعض النقاط.