تتفق آراء المؤرخين على أن المحاولات الأولى في الكتابة التاريخية في عصر صدر الإسلام نشأت في كنف علم الحديث وخرجت من إهابه.ومن المتفق عليه كذلك أن أول من عنوا بجمع أخبار السيرة وأحاديثها من جيل التابعين كانوا من المحدثين أو علماء الحديث، ولم يكونوا من المؤرخين.وقد أطردت هذه...
تتفق آراء المؤرخين على أن المحاولات الأولى في الكتابة التاريخية في عصر صدر الإسلام نشأت في كنف علم الحديث وخرجت من إهابه. ومن المتفق عليه كذلك أن أول من عنوا بجمع أخبار السيرة وأحاديثها من جيل التابعين كانوا من المحدثين أو علماء الحديث، ولم يكونوا من المؤرخين.
وقد أطردت هذه القاعدة في نشأة علم التاريخ عند المسلمين في العصور التي تلت ذلك العهد، وبخاصة بعد ازدهار الحضارة الإسلامية واتساع آفاق الثقافة العربية وتقدم التأليف في شتى أبواب العلم والمعرفة ومنها دراسة حياة الأمم والشعوب والوقوف على آثارها وأخبارها وطبائعها وعاداتها، أو دراسة تاريخها على وجه الإجمال، فظهر جيل المؤرخين العظام الذين أرسوا دعائم علم التاريخ الإسلامي، بدءاً من ابن إسحاق والواقدى في القرن الثاني، إلى الطبري والمسعودي في القرنين الثالث والرابع. وقد كانت السمة الغالبة عليهم أنهم جميعاً من "المؤرخين الحفاظ" الذين جاء اشتغالهم بالتاريخ فرعاً من اشتغالهم بعلوم الحديث.
وكذلك كان الذهبي حين نبغ في القرن الثامن، ومؤلفاته التاريخية كلها، وعلى رأسها كتابه الكبير "تاريخ الإسلام"، ومثل من الأمثلة البارزة على هذه الصلة الوثيقة بين علوم الحديث والتاريخ.
ويعد "تاريخ الإسلام" أهم كتب الذهبي وأعظمها على الإطلاق، وهو كذلك من أهم الموسوعات التاريخية الكبرى في تراثنا الإسلامي، ومن أوسعها نطاقاً وأغزرها مادة وأكثرها ضبطاً وتوثيقاً.
وقد أرخ فيه الذهبي للإسلام على مدى سبعة قرون كاملة، من السنة الأولى من الهجرة إلى تمام المائة السابعة، ورتبه على السنين والطبقات، وجمع فيه بين الحوادث والموفيات. وتقريباً لهذا الترتيب بين السنين والطبقات جعل الطبقة تقابل "العقد"، كل طبقة عشر سنين، وبدأ في كل طبقة بالحوادث مرتبة على السنوات، ثم أتبعها الوفيات مرتبة، في الأغلب، على حروف المعجم. وقد تتداخل الوفيات أحياناً في سياق الحوادث بترتيب السنين. ويعلل الذهبي لذلك بأن القدماء لم يعتنوا بضبط الوفيات كما ينبغي، "فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصحابة ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعي، فكتبنا أسماءهم على الطبقات تقريباً".