إن التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في العصر الحاضر تحديات كثيرة ومتنوعة، بعضها تحديات داخلية والبعض الآخر تحديات خارجية.
ولسنا نبالغ إذا قلنا إن هذه التحديات تضع العالم الإسلامي في مفترق طرق. فالعالم من حولنا يستعد لدخول القرن الحادي والعشرين، حيث لا مكان في عالم المستقبل إلا للأقوياء الذين يقررون وحدهم مصير العالم.
وعلى الرغم من أن المسلمين يشكلون خمس سكان العالم فمن الواضح أنه ليس لهم دور ملموس في المشاركة في تقرير مصير العالم ونظامه الجديد، بل ربما فقدوا استقلال قرارهم في رسم مصائرهم، ويبدو أنهم قنعوا بالسماح لهم بالجلوس في مقاعد المتفرجين ليشاهدوا أحداث "المسرحية" التي يمثلها الآخرون.
وهذا الوضع يمثل أخطر التحديات للمسلمين في عالم القرن الجديد. وتغيير هذا الوضع لن يتم إلا طبقاً للقانون القرآني الثابت: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). فزمن المعجزات قد انتهى. وعلى المسلمين أن يقوموا بإعادة ترتيب البيت من الداخل وإثبات وجودهم على جميع المستويات، وبخاصة على المستوى العلمي والحضاري، لأنهم يملكون مفاتيح الحضارة، ولا تنقصهم الإمكانات المادية والبشرية. ولكن المشكلة هي في حسن استخدام هذه الإمكانات.
من جانب آخر يمثل العنف الدامي في العالم الإسلامي مشكلة مقلقة تعطل مسيرته وتدمر خيراته وتبدد جهوده. ولا بد من وضع حد لهذا الشر المستطير الذي شوه صورة الإسلام واساء إلى سمعة المسلمين في العالم.
إن الموضوع متعدد الأبعاد ومتشعب الجوانب، وفي حاجة إلى جهود علماء الأمة ومفكريها للبحث عن مخرج للعالم الإسلامي من أزمته الخانقة سليماً معافى ليدخل القرن الحادي والعشرين مشاركاً لغيره من شعوب الأرض في صنع مستقبل هذا العالم.
وفصول هذا المجلد تحاول الإقتراب من هذه المشكلات والتحديات التي تحيط بالعالم الإسلامي، بهدف إثارة الإهتمام والإسهام في المناقشات التي ينبغي أن تدور على جميع المستويات في عالمنا الإسلامي من أجل التوصل إلى حلول ناجعة لأمراض مجتمعنا.
ويشتمل الباب الأول على كتابين هما: مفاتيح الحضارة وتحديات العصر، والحضارة فريضة إسلامية. أما الباب الثاني من هذا المجلد فيشتمل أيضاً على كتابين هما: الإنسان والقيم في التصور الإسلامي، ومقاصد الشريعة الإسلامية وضرورات التجديد. وقد نشرت فصول هذا المجلد في الفترة من عام 1998 حتى عام 2003 في كتب منفصلة.