يهتم هذا البحث برصد الإشكاليات النظرية والمفارقات المعرفية التي يطرحها مفهومي التأويل والدلالة. كيف يتحقق تعدد المعنى؟ ما هي استراتيجية التأويل؟ ولماذا تختلف هذه الاستراتيجيات؟ هل التأويل له حدود أم أنه مغامرة مفتوحة على المجهول؟ وللإجابة عن بعض هذه الإشكاليات والأسئلة...
يهتم هذا البحث برصد الإشكاليات النظرية والمفارقات المعرفية التي يطرحها مفهومي التأويل والدلالة. كيف يتحقق تعدد المعنى؟ ما هي استراتيجية التأويل؟ ولماذا تختلف هذه الاستراتيجيات؟ هل التأويل له حدود أم أنه مغامرة مفتوحة على المجهول؟ وللإجابة عن بعض هذه الإشكاليات والأسئلة فيما خصَّ طبيعة الدلالة ومستوياتها والتعددية ومحدوديتها، وقوانين التأويل رهاناته وحدوده، عمل الكاتب على تفكيك هذه الإشكالات، وتلمس إضاءة مسالكها من خلال البحث في أسسها النظرية واستكشاف مرجعياتها المعرفية، ومقارنة الاتجاهات المتعارضة، لتعيين الخرائط الإبستمولوجية لكل اتجاه وتوضيح حدوده ومفارقاته، في محاولة لصياغة رؤية مركبة لمفهومي الدلالة والتأويل. يقسم البحث إلى ثلاثة فصول: في الفصل الأول تركّز الاهتمام على تفكيك الوضع الإبستيمولوجي لمفهوم الدلالة، من خلال مقاربة مقارنة ترصد أسسه النظرية في نماذج نظرية ومعرفية مختلفة (اللسانيات البنيوية، اللسانيات الثقافية، السيميولوجيا، الشكلانية، نظرية النص، سوسيولوجيا النص، التفكيك) وفيه تمكن الباحث من رسم مسار التحولات التي طرأت على مفهوم الدلالة في هذا المنعطف التاريخي والمعرفي المفصلي – ما بعد البنيوية -، حيث انتقل من المقاربة المحايثة إلى المقاربة عبر اللسانية التي تركز على الطابع الدينامي والسياقي للدليل، الذي يتجلّى في مفاهيم التعددية والإنتاجية والتناقص والاختلاف والدلالية. ويبحث الفصل الثاني في إشكالية تعدد المعنى، وهي إشكالية ذات طابع مضاعف يمس مستويات متعددة في الفهم والتحليل: فهناك أولاً النص باعتباره ظاهرة دينامية تتشكّل في شبكة من التعالقات والنصيات والبنيات المتداخلة، بمعنى أن أنطولوجية النص لا تحيل على بنية متجانسة أحادية، بل على أنساق وشفرات متعددة، ومستويات مختلفة ظاهرة ومضمرة، ثم هناك القراءة باعتبارها أيضاً ممارسة دينامية تتخللها شفرات وأنساق متعددة وسياقات مختلفة، بحيث إن بناء الدلالة يتولد من هذا التفاعل بين هذه المستويات وطبيعة تعالقاتها. وهذا ما يفسح المجال أمام اختلاف التأويلات وتعددها، بحكم اختلاف استراتيجيات القراء في إعادة تركيب هذه المستويات والربط بينها وتفسير دلالاتها. وبالنتيجة، انكبّ الفصل الثالث على تفكيك الاستراتيجيات التأويلية التي يطرحها إشكال التعددية. هل يتعلق الأمر بتعددية محدودة أم لامحدودة؟ وما هو رهان التأويل؟ هل هو بنية وحصر هذه التعددية أم مضاعفتها وتتبع سيرورة آثارها اللانهائية؟ هكذا يعرض الكاتب "محمد بوعزة" في كتابه "استراتيجية التأويل – من النصية إلى التفكيكية" برنامجين متعارضين لرهان التأويل، التأويل المتناهي (أمبرتو إيكو) والتأويل اللامتناهي (جاك دريدا)، ويكشف عن المرجعيات المؤسسة لكل برنامج والرهانات المحددة لاستراتيجياته، ومن ثم يخلص إلى صياغة تصوره لرهان التأويل باعتباره نشاطاً سيميائياً تتحكم فيه سيرورة بنائه لموضوعه، حيث يشكل النص محدداً parométre لمسار وغاية هذه السيرورة بالتفاعل مع أفق انتظار المؤول.